بأفكار جديدة برامج لتعزيز القدرات القيادية وإصلاح الوظيفة العامة.. والعائدية الاقتصادية أولاً
الترهل الإداري الكبير الذي تعاني منه المؤسسات والشركات بحاجة لعمليات إسعافية فورية تستأصل هذا الخلل من جذوره، والذي استشرى خلال سنوات الأزمة وازداد تعقيداً وسوءاً في بعض المؤسسات، إن لم نقل في غالبيتها، وتنتشر حالة ضعف الإنتاجية، وأساليب العمل التقليدي، وضعف التدريب، والأتمتة، والتنظيم الإداري، والتوصيف الوظيفي، والتغير في العمل الإداري في مؤسسات الدولة وإدارتها العامة بات موضوع بطء وترهل بفعل ضخامة الأجهزة الإدارية، وصعوبة تغيير الأعراف الإدارية، لذا يجب أن نعيش زمننا بأفكار جديدة تلامس الواقع الذي نعيش فيه، وتواكب في الوقت ذاته التطورات العالمية المتلاحقة، كما يجب علينا أن ندخل اليوم إلى مجتمع التأهيل والتدريب وتطوير الذات بلغة اليوم لا بلغة الأمس، فلا يمكن أن ندخل مجتمعاً وعالماً جديداً بلغة لا يعرفها هذا المجتمع، فمجتمع الغد لن ينهض إلا بإنسان الغد.
ضرورة ملحة
يتفق جميع المختصين على أن إصلاح الإدارات يبدأ بإصلاح الوظيفة العامة من خلال تعديل شروط الإشغال والتعيين والتقييم، وتحقيق مبدأ المساواة في الوظيفة العامة، ومبدأ تكافؤ الفرص، ومبدأ الكفاءة العلمية والمهنية في التعيين، والاعتماد على القيم الأخلاقية، وإعطاء الفرص للخبرات الوطنية للعمل، ولكن يأتي قبل ذلك كله تدريب العاملين الذي بات ضرورة ملحة من خلال تحديد الجهات التي تحتاج للتدريب، ومعرفة الاحتياجات الحقيقية لكل شخص مستهدف بالتدريب، الأمر الذي دفع وزارة التنمية الإدارية للقيام بدورات تدريبية للقيادات الإدارية العليا من مديرين عامين، ومعاوني وزراء لرفع سوية العمل المؤسساتي، مغفلين أهمية تدريب الموظفين العاملين في هذه المؤسسات الذين يشكّلون العمود الفقري لعمل هذه المؤسسات تحت ذرائع وحجج لا تبدو منطقية، فتزويد الموظفين بالمعلومات والمهارات اللازمة سيجعلهم قادرين على أداء مهام محددة بشكل أفضل، وإحداث تطوير إيجابي في أدائهم، وإعدادهم للتأقلم مع التغيير في المستقبل، ومواكبة التطورات والتغيرات السريعة التي تحدث في مجالات العمل.
سد الثغرات
توجهنا بسؤالنا إلى وزارة التنمية الإدارية عن قيام الحكومة بتدريب القيادات الإدارية العليا، وهل يؤدي التدريب هذا إلى تقييم حقيقي للمؤسسات، ورفع سويتها؟.. لتؤكد لنا الوزارة بأن المديرين ومعاوني الوزراء يعتبرون رأس الهرم في مكان عملهم، وأن تدريبهم يساهم في عمليات التطوير في جميع النواحي الإدارية من تخطيط، وتنظيم، وإعداد الأفراد، وحسن اختيارهم، وتبسيط الإجراءات، ووضع نظم الرقابة السليمة، وبمعنى آخر يساعدون عن طريق مستواهم التنظيمي في عمليات الإصلاح الإداري، والتطوير التنظيمي للارتقاء بالمؤسسة، وإثبات نجاح عملية التنمية البشرية، ومن هنا تأتي أهمية برنامج تدريب المديرين العامين في سورية كونه يهدف إلى تعزيز القدرات القيادية للمديرين في الجهات العامة، ويركز على رفع كفاءتهم الإدارية عن طريق تزويدهم بالمعارف والمهارات، وكذلك تطوير قدراتهم في حل المشكلات، واتخاذ القرارات، وعن مدى مطابقة هذا الإجراء لحالة التنمية الإدارية، وأهميتها، ومردودها الاقتصادي، أكدت الوزارة أن عملية التدريب هي عملية تتصف بالديمومة والاستمرارية، لذا فإن نتائجها لا تظهر بشكل فوري ومباشر، أما ما يتعلق بالمردود الاقتصادي فالقاعدة العامة تقول بأنه لا توجد هناك دول متقدمة وأخرى متخلفة، بل إدارة ناجحة وإدارة فاشلة، ومن شروط الإدارة الناجحة عملية التدريب والتأهيل، من هنا تسعى وزارة التنمية الإدارية جاهدة إلى سد الثغرات، وتلافي العيوب الموجودة في بعض مفاصل الإدارة في سورية من خلال هذه العملية الهامة، وهذا بدوره، من خلال عملية متراكمة، يؤدي إلى جودة الإنتاج والأداء، وبالتالي ستنعكس حكماً على عملية التنمية القطاعية التي بمجملها ستكون رافعة لعجلة النمو الاقتصادي.
إعادة النظر
لم ينف محمد كوسا، “محلل اقتصادي”، وجود التدريب، خاصة في الأعمال الفنية والتقنية، فلكل مؤسسة جهد تدريبي في كل عام، وهو من ضمن خططها دائماً، إذ إنه في القانون هناك 2% مخصصة من قيمة مشاريع خطط المؤسسات للتدريب على تقنيات المشاريع الجديدة، لكن تدريب الموارد البشرية على المهارات الإدارية المختلفة يحتاج لإعادة نظر من حيث محتوى التدريب الذي سيقدم، وهذا الأمر يجب أن يكون مطابقاً لأنظمة العمل، واحتياجات العمل الحقيقي، ويخصص حسب النشاط، وحسب تصنيف هذه المؤسسة: “خدمية- تجارية- اقتصادية- زراعية”، ويجب على الأقل الفصل بين القطاع الإداري والاقتصادي في عملية استهداف العاملين الإداريين بالقطاعين، فقد تكون هناك صيغ إدارية مشتركة بين القطاعين، لكن هناك اختلافاً بطرق التنفيذ حسب نظام الأعمال المتبعة في كل إدارة أو منشأة، وحول تدريب القيادات الإدارية تساءل كوسا عن الغاية من تدريبهم، فإذا كانت الغاية رفع سوية هؤلاء في الثقافة الإدارية، فالمفروض أن يكونوا مثقفين أساساً قبل توليهم مناصب إدارية، ناهيك عن امتلاكهم مهارات إدارية، وثقافة إدارية عالية للإحاطة بكل جوانب العمل الإداري بشكل أكثر تفوقاً على الآخرين، وفي حال تدريب هذه القيادات يجب ألا يتم تدريبهم بالسوية نفسها، وبالمحتوى التدريبي نفسه، لأنهم يمتلكون مستويات مختلفة، ويجب تقسيمهم لشرائح، وأكد كوسا أن الاعتماد الأساسي لنجاح الإدارة في أي بلد يقوم على نجاح العنصر البشري، وخاصة إذا كان يمتلك الخبرة والمعرفة الإدارية في العمل الإداري، إضافة إلى أن العملية الإدارية مرتبطة ببعضها لنجاح الدولة من الهرم إلى القواعد، لذا من المفروض كي نسرع بإنجاز العمل الإداري تطبيق الأنظمة والقوانين بعيداً عن الروتين، إضافة إلى أن هناك معاناة حقيقية من مشكلة العنصر البشري، فالكثير من الموظفين الموضوعين في مراكز إدارية لا يملكون أفق عمل، ولا يتمتعون بروح المبادرة والتطوير الإداري بعيداً عن تطبيق القانون بحذافيره، ما يؤدي إلى تجميد العمل الإداري، بل لابد من أن نكون مرنين في تطبيق القانون، مع عدم النظر إلى نصوصه من منظار وأفق ضيق لنحصل على إدارة ناجحة في المستقبل، كما أننا لم نستفد من فكرة النافذة الواحدة، ولم نطبق مشروع الحكومة الالكترونية، وغير ذلك من المشاريع والقوانين المتطورة التي عرفناها، ولكن للأسف لم تجد النور على أرض الواقع، علماً بأنها تؤدي لنجاح العمل الإداري.
رؤى جديدة
إن القيام بأي تدريب يجب أن تكون له جدوى اقتصادية، وعائد اقتصادي، برأي عابد فضلية، “خبير اقتصادي”، ونحن نفتقر لوجود دراسات للجدوى الاقتصادية من عملية التدريب من قبل الجهات التي تقوم بالتدريب، وحول أهمية الإدارة في دفع الاقتصاد نحو التعافي، أكد فضلية أن الأزمة التي تعرّضنا لها فرضت واقعاً اقتصادياً لا يمكن الهروب منه، فخروج الكثير من المواقع الإنتاجية من الخدمة نتجت عنه الحاجة الكبيرة لمشاريع جديدة لم تكن موجودة، وهذا يفرض إدارات جديدة مثل “الحكومة الالكترونية” التي تحتاج لمؤسسات معينة، وبالتالي تدريب العاملين، وأكد فضلية أن الإدارة تتبع الاقتصاد نحو التعافي من خلال فهم الإدارة بشكل صحيح، وإيجاد حلول ناجعة، وترميم الاحتياجات المادية، وإصلاح ما هو موجود، والاحتياجات المادية هي مهمة الإدارة، وكلما كانت الإدارة فعالة كانت الطرف الأقوى بتأمين هذه الاحتياجات بشكل أسرع، فالإدارات التي تمتلك مهارات إدارية عالية، ورؤى مستقبلية، والإدارات التي تستطيع التأقلم مع الواقع المفروض هي الإدارات التي تسهم في دفع الاقتصاد نحو الأفضل، ودون الإدارة يعمل الاقتصاد بطرق تلقائية، ومهمة الإدارة اليوم تجميع الإمكانيات الموجودة، والقيام بوضع بنية العلاقات الجديدة بعد الأزمة بين القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وتدفع الإدارة بالاقتصاد نحو التعافي عندما تمتلك الرؤية الإبداعية، والقدرة على الاستجابة، فالحلول النمطية السابقة ستعرقل عملية إقلاع الاقتصاد من جديد، وتزيد من مشاكله، لذا فإن مهمة الإدارة اليوم امتلاك قيادات إدارية تتمتع بالقدرة على التخيل والإبداع، وتقدم حلولاً استثنائية وجريئة للاقتصاد في المرحلة القادمة، وأكد فضلية أن مسؤولية الإدارة صيانة المال العام، وتشغيله بالطرق الصحيحة.
ميس بركات