دراساتصحيفة البعث

لهب “ديمقراطية” الفديرالي.. وحرق الصديق قبل العدو

بشار محي الدين المحمد   

نذكر جيداً عبارة جورج بوش الابن، رئيس أمريكا الأسبق، “سننشر لهب الديمقراطية في كل العالم”، والتي تفوّه بها إبان أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، وما حدث بعد هذه الأكذوبة من دمار في خضمّ حروب “اللاغالب واللامغلوب” التي خاضتها تلك الإدارات الأمريكية المتعاقبة في أفغانستان والعراق، وما تبعها من أصقاع الأرض، وما حدث من توترات كانت تفتعل لصبّ الزيت على نارها أيضاً من تلك الإدارات التي تعيش وتتغذى على دماء البشر ونهش سلامهم لبناء جسدها الهشّ.

يمكننا إنعاش الذاكرة أيضاً بكمية الاستفزازات والتوترات في منطقة الشرق الأوسط التي أشعلتها تلك الإدارات عبر حليفتها “إسرائيل”، ما أنتج حرب تشرين التحريرية التي شكلت صفعة لذلك الكيان، لكنها بالمقابل أشعلت سعر النفط العالمي وضاعفته أربع مرات، في وقت قطف الأمريكي نتائج التضخم على حساب شلل أصدقائه الأوروبيين بالدرجة الأولى.

ويتكرّر المشهد في الحرب الأوكرانية التي أشعلها الأمريكي جاعلاً من اقتصاد أوروبا الذي حُرم من الغاز الروسي بما اقترفته يديه بإرادة أمريكية -وقوداً لذلك الصراع الذي يهدّد بركود تضخمي في كلّ منطقة اليورو- ليقطف الأمريكي دوناً عن الجميع ثمار التضخمات عبر تشديد سياساته المالية ورفع الفائدة، ما زاد في قيمة عملته وتسبّب في هروب رؤوس الأموال بما فيها الأوروبية إلى أراضيه.

والآن في الشرق الأوسط يتجسّد مشهد “نهش الحليف لحليفه” مجدداً، صحيح أن الصراع اندلع بين مقاومي غزة وجيش الحرب الإسرائيلي، لكن بالنظر إلى المتضررين نجد أنهم الآلاف من أطفال ونساء غزة على يد ذلك الجيش القاتل، ومستوطني وجنود وأسرى كيان الاحتلال على المقلب “الإسرائيلي”، إضافةً إلى الاقتصادات الناشئة على المقلب العالمي، ومن ثم الاقتصاد الإسرائيلي على وجه الخصوص.

إن البصمات الأمريكية واضحة بالعين المجردة في إذكاء هذا الصراع وفي إفشال عملية السلام وتعطيل مسار أوسلو وحلّ الدولتين، ففي وقت نشاهد قوى العالم المحبة للسلام، كما حدث بالأمس عبر النشاط الدبلوماسي والتصريحات للرئاستين الروسية والإيرانية، وللخارجيتين الروسية والإيرانية المحذّرة من مغبة استمرار جرائم الإبادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، ومن التدخل الأمريكي في إشعال منطقة الشرق الأوسط عبر استفزاز وجر قوىً أخرى للصراع، نجد على المقلب الآخر ممارسة تامة للحماقة والرعونة الأمريكية في المنطقة -فمنذ الساعات الأولى للصراع شاهدنا توافد البوارج الأمريكية إلى المنطقة- بوارج لماذا؟ هل لقتل أطفال غزة ونسائها؟. كما شاهدنا توافداً لدبلوماسيي الإدارة الأمريكية إلى الكيان الصهيوني مع تمثيليات بادّعاء الخوف والهلع وإيجاد لتمثيل تحول دور الجلاد إلى “الضحية”، بل وجلوس لوزير الخارجية أنتوني بلينكن في مجلس حكومة طوارئ العدو المصغرة، وهو يردّد عبارة “أنا يهودي” ويظهر بمظهر المقرّر والمتحكم بتلك الحكومة، وفي إدارة دفة الصراع دون إرادة من “إسرائيل” التي تثبت للجميع الآن أنها لا شيء وغير قادرة على مواجهة عدّة فصائل مقاومة، ولا قرار لها حتى ولو سارت بنفسها نحو إنهاء كيانها.

من ستكون الأضحية بعد أوكرانيا وأوروبا ودول العالم الناشئة لزيادة إنعاش الاقتصاد الأمريكي المترنّح، فللأسف يبقى الدولار حتى الآن يحظى بسمعة “عملة الاحتياطي” الذي يرتفع مع التوترات بسبب اعتباره ملاذاً آمناً للشعوب المضللة؟.

لا شكّ أن بقية العالم والاقتصادات الناشئة ستكون في خطر أكبر إن تمدّد الصراع عبر استفزاز المحور الصهيو- أمريكي، حيث من المتوقع أن يتابع سعر برميل النفط ارتفاعه إلى أكثر من 93 دولاراً، أما إذا تمدّدت رقعة تلك الاستفزازات، فستشلّ معابر الطاقة في الخليج العربي التي تشكل خمس عصب الطاقة العالمي، وسنكون أمام سعر نفط لن يقل عن 150 دولاراً للبرميل، حسب تحليلات الخبراء، وبالنتيجة سنكون أمام مزيد من الركود التضخمي في العالم ومزيد من المكاسب الدولارية على المقلب الأمريكي.

لقد سئم العالم بما فيه الحاضنة الشعبية الأوروبية وحتى الشارع الأمريكي أكاذيب الإدارات الصهيو- أمريكية، والذين خرجوا دون استثناء لشجب الحرب على أطفال غزة، وطردت بعض الدول سفراء الكيان الإسرائيلي احتجاجاً على سياساته العدوانية، ولكن قوى العالم الجديد لم تنفذ أي سيناريو قالب لهذه المعادلات الخبيثة حتى الآن، فهل سنشاهد في القريب العاجل إجراءات ناعمة أو ربما خشنة من قوى هذا العالم لضرب وإسقاط نظام الهيمنة الاقتصادي الأمريكي؟.