دراساتصحيفة البعث

هل أطلق ترامب سباق التسلح النووي؟

ترجمة: سمر سامي السمارة

عن موقع غلوبل ريسرتش 27/10/2018

رداً على خطة انسحاب إدارة ترامب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، قال رئيس الاتحاد السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف إن هذه الخطوة تشير إلى بداية سباق تسلح نووي، وأضاف: قبل ما يزيد على 30 عاماً، وقّعت مع الرئيس رونالد ريغان في واشنطن معاهدة التخلّص من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى. وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تمّ التخلص فيها من فئتين من الأسلحة النووية وتدميرها بموجب شروط الاتفاق التاريخي في تموز 1991، تبع ذلك معاهدة ثنائية بين الولايات المتحدة واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية (ستارت1) للحدّ من الأسلحة الإستراتيجية، اقترحها غورباتشوف ورونالد ريغان، وقام  بالتوقيع عليها رئيس روسيا وبوش الأب.

وبموجب الاتفاق، فقد حُظّر على كلا البلدين نشر أكثر من 6000 رأس نووي من ما مجموعه 1600 صاروخ بالستي عابرة للقارات والقاذفات. وفي عام 1993، وقّع الرئيس الروسي بوريس يلتسين والأمريكي بوش معاهدة (ستارت2)، والتي بموجبها يحظر استخدام مركبات عودة الدخول المتعددة المستهدف بشكل مستقل على التستارية العابرة للقارات، إلا أن هذه الاتفاقية بقيت حبراً على ورق. وفي كانون الثاني عام 1996، رفض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الاتفاقية بأغلبية ساحقة، 87 صوتاً مقابل 4 أصوات. وفي نيسان 2000، صّدقت روسيا على معاهدة (ستارت2)، وانسحبت من المعاهدة في حزيران عام 2002 بسبب انسحاب بوش/ تشيني من اتفاقية الدفاع المضاد للصواريخ.

وفي نيسان 2010، صادقت روسيا والولايات المتحدة على معاهدة ستارت الجديدة التي تدعو إلى مزيد من نزع السلاح النووي الاستراتيجي، والتي وقّعها الرئيس الروسي آنذاك دميتري ميدفيديف وأوباما. لكن واشنطن تغيّرت نبرتها، ولم تكن تعتزم نزع السلاح النووي أو التخطيط لذلك، بل قامت بتحديث أسلحتها لتحلّ محل الأسلحة القديمة، وتمّ تجاهل ركائز معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، أي عدم الانتشار ونزع السلاح والاستخدام السلمي. ولم يعتزم أوباما والديمقراطيون الذين لا يتمتّعون بالديمقراطية استعادة معاهدة الحدّ من منظومات القذائف المضادة للقذائف التسيارية، التي تخلّى عنها بوش/ تشيني في حزيران 2002. وبقي مبدأ بوش/ تشيني لعام 2005 للعمليات النووية المشتركة ساري المفعول، وقد كان استعراض أوباما للوضع النووي لعام 2010 يتعلق بصناعة الحرب أكثر من الوقاية منها.

كل ما في الأمر إلغاء التمييز بين قوى الردع الدفاعية والهجومية، المتضمنة التهديد الثلاثي للقاذفات الإستراتيجية البرية والبحرية، والصواريخ الأرضية، وغواصات الصواريخ البالستية، فضلاً عن تطوير البحوث على نحو متين والبنية التحتية الصناعية لتطوير وبناء والحفاظ على الأنظمة الهجومية والدفاعية دون الطعن بها. تُسمّى أنظمة الدفاع الصاروخية الأمريكية بهذا الاسم على الرغم من أنها تسمية خاطئة، فهي تسمح بالاستخدام الأول للأسلحة النووية والتقليدية، خاصةً ضد روسيا والصين وإيران وكوريا الديمقراطية إذا فشلت عملية نزع السلاح النووي.

في العام الماضي، وصف ترامب معاهدة ستارت الجديدة التي تنصّ على وضع حدّ للرؤوس الحربية والقنابل النووية التي يريد زيادتها بأنها معاهدة سيئة، على الرغم من عدم وجود أعداء للولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لتبرير أفعالها وحروبها الإمبريالية التي لا تنتهي، وأعمالها الاستفزازية ضد روسيا والصين وإيران ودول أخرى. وحينها زعم ترامب أن معاهدة ستارت الجديدة قدمت مزايا لروسيا أكثر من الولايات المتحدة، وقال غورباتشوف في مقالته التي نُشرت في 25 تشرين الأول: “لا يزال ثمّة كثير من الأسلحة النووية في العالم”، رغم أن أعدادها أقل بكثير من المستويات القصوى التي سُجلت من قبل.

من المرجح أن يكون للقنابل الحرارية المطوّرة قوة تدميرية أكبر بكثير، لكن غورباتشوف أوضح أن انسحاب ترامب الذي أعلن عنه من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى هو خطوة لبداية سباق تسلح نووي جديد. ومن المحتمل أن تكون الرهانات محفوفة بالمخاطر ولا يمكن تجاهلها، فانسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة ومعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى يهدّد بوقوع المزيد من الحروب.

انتقد غورباتشوف ما وصفه بنيّة نظام ترامب انسحاب الولايات المتحدة من أي التزامات، وأي قيود، ليس فقط فيما يتعلق بالقذائف النووية، مضيفاً: “دمرت الولايات المتحدة (بشكل كبير) نظام المعاهدات والاتفاقيات الدولية الذي كان بمثابة الأساس الذي يرتكز عليه السلام والأمن بعد الحرب العالمية الثانية”، ولن يكون هناك رابح في أي حرب ينخرط فيها الجميع ضد بعضهم البعض، وخاصة إذا انتهت  إلى حرب نووية، وهذا احتمال لا يمكن استبعاده،لأن سباق التسلح الذي لا هوادة فيه، والتوترات الدولية، والعداء، وانعدام الثقة العالمي، ستؤدي لزيادة المخاطر.

يأمل غورباتشوف بأن تتأهب روسيا والأمم المتحدة، وخاصة أعضاء مجلس الأمن، وباقي المجتمع العالمي لاتخاذ إجراءات مسؤولة لمواجهة هذا التهديد الخطير للسلام.