أخبارصحيفة البعث

هزيمة جديدة لترامب

قلب الديمقراطيون معادلة تفرد دونالد ترامب وإدارته بالسياسة العامة للبلاد بعد أن تحمّلوا تماديه المبتذل في مرتكزات السياسة الأمريكية، وخاصةً سلوكه حول “المغتصبين” المكسيكيين، ودفاعه عن النازيين الجدد الذين تظاهروا في شارلوتسفيل، وإشرافه على سياسة فصل الأطفال عن ذويهم، وسياسته الحمقاء التي كادت أن توصل البلاد إلى حافة حرب نووية مع كوريا الديمقراطية، حرب لم ير العالم مثيلاً لها، كما جاء في كتاب “نار وغضب”، بالإضافة إلى تقويضه حكم القانون بتصوير وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي على أنهما مؤسستان “فاسدتان”، وإثارته الخلافات الشخصية مع قادة بريطانيا وألمانيا وكندا وبلدان أخرى كانت حليفة قوية.

بعد كل هذا، تمكّن الديمقراطيون من انتزاع الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي، في انتخابات التجديد النصفي التي نظر إليها كثيرون كاستفتاء على رئاسة ترامب نفسه، إذ من الطبيعي أن تعيد نتائج هذا التجديد تشكيل المشهد السياسي الأمريكي وسياسته في الداخل والخارج.

فوز الحزب الديمقراطي اتكأ على غضب الناخبين تجاه سياسات ترامب وتصريحاته، لكن هذا الغضب ليس نهائياً، ولن يعزل ترامب، إذ تشير استطلاعات الرأي أنه من 30% إلى 40% فقط من الشعب الأمريكي يرغبون في عزله، ما يعني أن عدداً من الأمريكيين يرفضون الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، لذلك قد ينتظر الديمقراطيون نتائج التحقيق الذي يجريه المحقق الخاص في وزارة العدل “روبرت مولر”، لوضع خطة عزله مع أصدقائهم من الجمهوريين. لكن حتى الآن السمة الظاهرة هي انقسام الكونغرس الأمريكي بين الديمقراطيين والجمهوريين، ما سيجعل الاصطدام بين النموذج التشريعي الذي يرغب به أغلبية المصوتين للحزب الديمقراطي من جهة، وشيوخ الحزب الجمهوري من جهة أخرى، في حكم الأكيد، والمخرج الوحيد لتجنب هذا الاصطدام، هو العثور على قضايا تضع المشرعين الجمهوريين ضد الرئيس ترامب نفسه.

في واقع الأمر، خسارة الجمهوريين مجلس النواب تجعل ترامب في وضع أضعف، وما دام انهزم مرة فإنه يمكن أن يهزم مرة أخرى، كما أن خسارة الجمهوريين قد تدفع قطاعات متزايدة إلى الرهان على الديمقراطيين لهزيمته في الرئاسة عام 2020 كما انهزم في النواب، خاصةً أن سياسات ترامب حفّزت جيلاً جديداً على الانخراط في  العمل السياسي، وهو ما يطلق عليهم اسم “المقاومة الليبرالية” التي بادر بها نساء وأشخاص ينتمون للأقليات.

لهذا رسمت الانتخابات النصفية ملامح الواقع السياسي الحالي والمستقبلي القريب في الولايات المتحدة، واعتبرت مؤشراً على بعض التغيرات التي طرأت على توجهات الناخبين الأمريكيين، كما أنها وضعت أسلحة تشريعية في يد الديمقراطيين ليواجهوا بها خصومهم، ليكون الصراع أكثر توازناً، رغم أن فوز الديمقراطيين لم يرق إلى درجة “الموجة الزرقاء” التي تكهّن بها البعض، ولم يتمكنوا من انتزاع الأغلبية داخل مجلس الشيوخ، إلا أنه مؤشر على تعمق الانقسامات السياسية والثقافية بين الأمريكيين، ما يعني أن الانتخابات النصفية كانت انتصاراً بطعم الهزيمة، وأن “الليبراليين والديمقراطيين اتحدوا سوياً لإيصال توبيخ قوي للسيد ترامب، كما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”.

علي اليوسف