دراساتصحيفة البعث

آل سعود وصناعة الإرهاب: المتعاون المحلي ومشكلة “تجنيد المتعاونين”

عبد الرحمن غنيم
كاتب وباحث من فلسطين
ربّما تبدو مسألة ما للوهلة الأولى بسيطة ويمكن أن تمرّ مرور الكرام، خاصة إذا اقترن ظهورها مع الاعتقاد بوجود دافع للكذب من ورائها للتغطية على جريمة يراد إخفاؤها. لكنّ هذه المسألة قد يتضح من تعقبها أنها مشكلة كبرى قائمة وتهم المجتمع الدولي كله، وأنها أكثر خطورة بما لا يقاس من تلك الأسباب التي أدت إلى الكشف عنها.
أرادت السلطات السعودية أن تتهرّب من الإجابة عن السؤال حول مصير جثة ضحيتها، والذي هو في الأصل من عملائها البارزين، ونقصد جمال الخاشقجي. فلجأت إلى الادعاء بأنه جرى تسليم الجثة بعد تقطيعها – أصولاً – إلى “متعاون محليّ” ليقوم بالتخلص منها “أصولاً”. ولنلاحظ هنا أن استخدام كلمة “متعاون” لم تكن بلا دلالة. فالسعودي أراد أن يتهرّب من استخدام كلمة “متعامل” أو “عميل”؛ لأن للكلمة في الحالتين ظلاً من المعنى يحيل إلى فكرة العمالة والتبعية، ولكن استخدام كلمة “متعاون” لم ينهِ المشكلة بل ثبّتها، طالما أن “التعاون” لا يأتي بالصدفة، وخاصة في مثل قضية التخلص من جثة.
هنا بات السؤال المطروح عند الناس في ضوء طبيعة المشكلة المثارة ينصب على هوية هذا “المتعاون المحلي”، وهو سؤال مطروح بداية على أساس أنه وفق الرواية السعودية بات الدليل الوحيد الذي يمكن أن يأخذ المحققين إلى المكان المفترض الذي أخفيت فيه جثة الضحية بعد أن جرى تمزيقها إذا صحت الرواية السعودية! وطبيعي أن يذهب التفكير في هذا الاتجاه طالما أن التحقيق يدور حول قضية القتل، لكن جميع المؤشرات تدلّ على أن التخلص من الجثة تمّ بطرائق أخرى امتنع الجانب السعودي عن كشفها فوجد في حجة “المتعاون المحلي” الذي لا يعرف من سلموه الجثة أو العهدة اسمه أو عنوانه، فاكتفى بأن يقدّم له رسماً افتراضياً تاركاً للأتراك أن يغرقوا في البحث عن شخص يشبه الصورة المرسومة من بين ملايين البشر!!
إن المشكلة في الواقع لا تكمن في البحث عن هذا “المتعاون المحلي”، وإنما تكمن في الاعتراف بوجود “متعاون محلي”. فوجود “متعاون محلي” هي قضية أكبر بكثير من قضية قتل “المتعاون السعودي” جمال الخاشقجي على خطورتها؛ لأنها تثير قضية أكثر خطورة تتمثل في قيام الأمن السعودي بتجنيد عملاء محليين في مختلف البلدان سواء من خلال السفارات والقنصليات أو عبر مؤسسات أخرى تابعة للسعودية. وهذه ظاهرة ليست بالجديدة ولا بالمحدودة، بل هي قضية كبرى يمكن القول إنها القضية الأهم بالمقارنة مع عمليات التجنيد المماثلة التي دأبت عليها الدول الاستعمارية منذ زمن بعيد، ثم إن هذه العملية تتم أيضاً في خدمة الدول الاستعمارية وبالتنسيق والتعاون معها.
إن ما حدث في اسطنبول يشكل فرصة لإثارة هذه المشكلة والبحث في حقيقة أبعادها خاصة وقد اقترنت باعتراف سعودي صريح ورسمي، ولأكثر من مرة بوجود “متعاون محلي”، هو في الواقع واحد من المتعاونين المحليين الكثر الذين يقوم الأمن السعودي بتجنيدهم في معظم بلدان العالم، إن لم يكن في كل هذه البلدان. ولقد كان الخاشقجي نفسه من بين المساهمين في تجنيد هؤلاء “المتعاونين المحليين”، وكان له دوره البارز في هذا السياق حين أرسل إلى أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، وهو الدور الذي قاد في وقت لاحق إلى تشكيل تنظيم “القاعدة”. ولعل أحد الأسباب الأساسية في اتخاذ القرار المتعلق بتصفيته يعود إلى كونه يعرف الكثير من المعلومات عن “المتعاونين المحليين” في أقطار مختلفة من الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب، عدا عن معرفته بدورهم في تشغيل “القاعدة وداعش” ومن على شاكلتهما من التنظيمات الإرهابية، فهو في هذه الأمور خبير. وبالتالي فإن مشكلة “المتعاونين المحليين” بالنسبة لمن يتعقبها هي في حد ذاتها قضية تستحق البحث، بل هي إحدى القضايا الأكبر التي باتت تعني كلّ معنيٍّ بأمن وسلام العالم؛ لأن النهج الذي بدأ بتجنيد الجواسيس تحت مسمى “متعاون محلي” انتهى إلى تجنيد الإرهابيين ربما تحت المسمّى ذاته ولو بالنسبة للجهة التي تتولى إدارة هذه العملية.

لمحة عن تاريخ المتعاونين
صحيح أن مشكلة “المتعاونين المحليين”، وهي صيغة ملطفة لتفادي الحديث عن “العملاء المحليين” كانت قد بدأت تاريخياً في أروقة شركة أرامكو الأمريكية في السعودية، وأديرت من قبلها، ولعلها في جزء منها على الأقل لا زالت تدار من قبلها، ودلالة ذلك ما اكتشف مراراً وتكراراً عن ضباط يهود صهاينة عملوا فيها غالباً في مهمة تجنيد “المتعاونين المحليين” في مختلف البلدان، ولكنها صارت مع الوقت من المهام الأساسية ليس فقط للأمن السعودي ولكن أيضاً لصناع القرار السياسي السعودي. والواقع أن المسألة حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي أخذت أشكالاً معينة ثم تطورت منذ بداية الثمانينيات وحتى الآن لتكتسب أشكالاً إضافية، أي أنه تمّ الجمع بين كل أشكال العمل القديمة والجديدة، مع تطور نوعي وكميّ كبير يجعل منها مشكلة عالمية بالفعل. ولم يأتِ هذا التطور بالصدفة وإنما بناء على اجتهادات الأميركي زبيغنيو بريجنسكي لاعتماد “متعاونين محليين” من البلدان العربية والإسلامية أو من العرب والمسلمين في مختلف البلدان الأخرى لخدمة الأهداف الاستراتيجية العالمية الأمريكية.
من بين المؤشرات المبكرة على قيام النظام السعودي بتجنيد “متعاونين محليين” في البلدان الأخرى نورد بداية أمثلة من قطاع غزة والضفة الغربية، أي من الساحة الفلسطينية حيث كان الصراع العربي – الصهيوني وظل لزمن طويل ولا يزال حتى الآن هو الأهم والأخطر بالنسبة للوطن العربي. ولفهم نقطة البداية لا بد لنا من عودة إلى الوراء لرصد ما يمكن أن تكون مؤشرات على البداية.
في أعقاب ثورة 23 تموز في مصر ساد شهر عسل لبعض الوقت بين قيادة الثورة وبين جماعة “الإخوان المسلمين” سواء في مصر أو في قطاع غزة. لكن شهر العسل هذا انتهى عام 1954، وكانت الواقعة الأخطر التي قادت إلى نهايته قد تمثلت في محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في الإسكندرية. وما حدث بعد ذلك هو أن التنظيم العلني لجماعة “الإخوان” قد اختفى أو بالأحرى تقوّض لصالح التنظيم السرّي للجماعة. وما حدث أيضاً أن بعض منتسبي الجماعة وجدوا في السعودية وبلدان الخليج، وكان الاستعمار البريطاني لا يزال موجوداً فيها، ملاذاً لهم.
المشكلة في الواقع ليست هنا، وإنما في ظواهر واكبت هذه الظروف. من هذه الظواهر مثلاً أن شباناً من أبناء قطاع غزة دفعهم السعي وراء الرزق إلى السفر إلى مملكة آل سعود بحثاً عن عمل، ولكن بعضهم سرعان ما عاد (خائباً في الظاهر) ليتضح لاحقاً أن العمل الذي كلف به وتطلب عودته هو أن يعمل “متعاوناً محلياً” مع الأمن السعودي. وهذه ظاهرة قد لا نجد لها مثيلاً في العالم الثالث ككل حتى الآن، أي أن تتولى دول العالم الثالث تجنيد متعاونين محليين، وأن تعاملهم كموظفين وكعيون لها تبثها في الأقطار الأخرى، وأن تسند إليهم أدواراً تحددها هي لهم وفق متطلبات الظروف، إلا أن الوجه الآخر – السياسي – لهذا العمل سيتضح بعد زمن طويل، كيف؟
من بين التحديات التي واجهتها مصر في أعقاب الصدام مع جماعة “الإخوان المسلمين”، وفي ظل المواجهة مع الإنكليز والضغط عليهم لحملهم على الجلاء عن منطقة القناة حيث كانت لا تزال توجد لهم قواعد عسكرية فيها، قيام العدو الصهيوني بشن اعتداءات كبيرة على قطاع غزة وسيناء، وخاصة تلك التي استهدفت مركز شرطة خان يونس وموقعي الصبحة والكونتيلا عدا عن مواقع أخرى عامي 1954و 1955. وقد ذهبت القيادة المصرية بعد هذه الاعتداءات إلى اتخاذ إجراءات كان منها كسر احتكار السلاح بالتوجه نحو الشرق لشراء السلاح فكانت صفقة الأسلحة التشيكية، ومنها تشكيل كتيبة الفدائيين في قطاع غزة بقيادة مصطفى حافظ وقيامها بشن سلسلة عمليات خلف خطوط العدو. لكن أحداً لم ينتبه في ذلك الحين إلى الدور الذي لعبه “المتعاونون المحليون” الذين تقف وراءهم السعودية في استدراج الاعتداءات الصهيونية في ذلك الحين، إلى أن خرج من قادة حركة فتح المؤسسين من يقحم قصة من أسماهم “طلائع فتح” في دفع القيادة المصرية إلى كسر احتكار السلاح حين قاموا بتنفيذ عمليات ضد العدو وقيام العدو بالرد عليها باعتداءاته تلك، وكأنّ الفضل في كسر احتكار السلاح يعود إلى أولئك الأشخاص الذين نفذوا تلك العمليات التي لم يشعر بها أحد لتكون ذريعة يبرر بها العدو اعتداءاته الواسعة.
ربما كان للبعض من عناصر “الإخوان” صلة بهذه القصة التي استهدفت إحراج قيادة الثورة في مصر، ولكنه يمكن الافتراض بأن هذه العناصر المتورطة في ذلك الفعل وعناصر أخرى من غير جماعة “الإخوان” ولكنها من “المتعاونين المحليين” هي التي أدت هذا الدور بتعليمات سعودية مباشرة. وما يجعلنا نقول هذا يتمثل في الواقع بالقصة الموازية تاريخياً وكان مسرحها الضفة الغربية.
لقد أكد لي أستاذنا المؤرخ والمجاهد محمد عزة دروزة أنه حدث في تلك الفترة أن اتصل السعوديون مع المجاهد أبو إبراهيم الصغير ساعين لإقناعه بتشكيل مجموعات تشن هجمات موازية على العدو الصهيوني انطلاقاً من الضفة الغربية، وتتكفل السعودية بتمويل هذا النشاط وتزويده بكل احتياجاته. ولكنه رفض هذا العرض. وهنا سيتساءل القارئ: ولماذا رفض؟ فمثل هذا العرض يبدو للوهلة الأولى فرصة لعرب فلسطين للشروع في ممارسة مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الصهيوني في ذلك الوقت المبكر بعد سنوات قليلة من نكبة فلسطين.
والجواب أن ما أرادته السعودية آنذاك كان إرباك الوضع في الأردن خلال تلك الفترة التي صعدت فيها القوى الوطنية في الأردن لتمسك بالسلطة، ولتتعاون مع قيادة الثورة في مصر في محاربة الأحلاف الاستعمارية، ثم إن النظام السعودي كان لا يزال يرى في النظام الأردني منافساً له بحكم كونه بقية مملكة الشريف حسين بن علي ملك الحجاز الذي أزاحه السعوديون. والحقيقة أن تلك الفترة شهدت أيضاً العديد من الاعتداءات الصهيونية الواسعة على الضفة الغربية، وإن كنا لا نعرف بالضبط ما إذا كان السيناريو الذي طبق في الضفة مماثلاً للسيناريو الذي طبق في غزة وسيناء، أي ما إذا كانت السعودية قد وجدت ضالتها وتمكنت من تجنيد “متعاونين محليين” لتنفيذ المخطط الذي سعت وراء تنفيذه.

محطات أخرى
بالطبع نستطيع أن نتذكر دور “المتعاونين المحليين”! في محطات أخرى عديدة. ومن هذه المحطات التآمر على دولة الوحدة بين مصر وسورية عام 1958، والعمل على تجنيد “متعاونين محليين” لاستغلالهم في طعن تجربة الوحدة الأولى. ولنتذكر الشيك الشاهد على هذا النمط من المحاولات، والذي قدّم إلى رئيس الشعبة الثانية في “الإقليم الشمالي” عبد الحميد السراج بهدف إغوائه ليكون “متعاوناً محلياً” فقام بتسليمه إلى الرئيس جمال عبد الناصر كاشفاً من يجندون “متعاونين محليين” بهدف تقويض دولة الوحدة. ومع ذلك لم يكفوا عن متابعة التآمر حتى كانت جريمة الانفصال في 28 أيلول عام 1961. وفي غضون تلك الفترة كانت هناك مرة أخرى خطط سعودية للتآمر على النهج القومي من بوابة المزاودة عليه باستثمار القضية الفلسطينية. ولا داعي لعرض هذه التفاصيل، ولكن يكفي أن نشير إلى أن الأمير فهد بن عبد العزيز الذي صار ملكاً في وقت لاحق كان له دور في هذه المسألة، مثلما كان للمتعاونين المحليين، ومن أقطار عربية متعددة دور. والواقع أن بعض من لعبوا هذا الدور هم من قادوا المقاومة إلى محطة أوسلو وما ترتب عليها من نتائج.
ودون أن نستطرد في تقديم الأمثلة وأنماط التآمر، وفي مقدمته التآمر على قضية فلسطين، ومحاربة الوحدة العربية والفكر القومي والقوى المعبرة عنه، فإن قصة “المتعاونين المحليين” تأصلت حتى في إطار الممثليات الدبلوماسية السعودية على أوسع نطاق ممكن. والواقع أن هناك من الدبلوماسيين السعوديين من فهمت منه شخصياً آلية هذه الممارسة، فإذا راجع أحدٌ ما – وخاصة من أصحاب الجنسيات العربية – السفارة أو القنصلية السعودية في أي مكان كان بوسعها اللجوء إلى “المتعاونين المحليين” في منطقة إقامته – كما لو كانوا موظفين دائمين في خدمتها- للاستفسار منهم عن هوية هذا الشخص السياسية. وهكذا نستطيع الافتراض بأنهم شكلوا مع الوقت أوسع تشكيلة “متعاونين محليين” في العالم على قاعدة أن هؤلاء هم صمّام أمان لأمن المملكة.
تطوير الممارسة
لقد بقيت هذه الأنماط من الممارسة المعتمدة على “المتعاونين المحليين” هي السائدة حتى نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي تقريباً، إذ إن انتصار الثورة الإسلامية في إيران من جهة، ووجود القوات السوفييتية في أفغانستان من جهة ثانية دفعا الحكام السعوديين إلى تطوير هذه الممارسة. فمن جهة جرى تحريض النظام في العراق على الاشتباك مع إيران تحت ذريعة حماية البوابة الشرقية للوطن العربي، ومن جهة ثانية شرعوا في تعبئة “المجاهدين” ليكونوا النمط الجديد من أنماط “المتعاونين المحليين” لإرسالهم إلى أفغانستان. ولكن هذا التطور في الاتجاهين كان عملياً بتوجيه أميركي، وتنفيذاً للاقتراحات التي كان زبيغنيو بريجنسكي قد طرحها في ذلك الحين. ومنذ ذلك الحين بدأ التأسيس لذلك النمط الجديد من “المتعاونين المحليين” الذي لا يقتصر دوره على تقديم المعلومات، أو على المساهمة في المؤامرات، ولكنه يمارس الإرهاب التكفيري حيث يراد له أن يمارس هذا الإرهاب وفق ما تقتضيه مصالح مملكة آل سعود ومن تتعامل معهم أو تعمل لحسابهم وبشكل خاص الأمريكيين. وبالطبع فإن ما يرضي الأمريكيين هو ما يلبي أهواء الصهيونيين.
إن العالم سيشهد ابتداءً من تسعينيات القرن الماضي ذلك النمو المضطرد للعصابات الإرهابية التكفيرية وخاصة في قارات العالم القديم آسيا وأوروبا وإفريقيا. وسيرى الأدوار التي لعبتها هذه العصابات في كثير من الدول، وانتقالها من منطقة إلى أخرى لتنفذ الدور المطلوب منها لحساب السياسة الأمريكية، ولكن برعاية مؤكدة سعودية. فالإرهاب التكفيري هو النمط الجديد لـ”المتعاونين المحليين” من النمط السعودي، والذي ما كان للأمريكي أن ينجح في تشكيله واستثماره لولا أن المنطق الوهابي السعودي شكل إطاره الفكري التعبوي أولاً، ولولا أن الإدارة السعودية لعملية التجنيد كفلت له أن يتم في ظروف أكثر ملاءمة لعملية الاستقطاب ثانياً، ولولا أن التمويل السعودي السخيّ الذي ساهمت فيه أيضاً أطراف أخرى إلى جانب السعودية ولكنها من شركاء السعودية في دول مجلس التعاون الخليجي شكل ضمانة مالية مستمرة ومتزايدة ثالثاً. وهذا كله يعني أن ظاهرة “المتعاون المحلي” السعودية القديمة تحوّلت في نهاية المطاف إلى أوسع عملية تجنيد للإرهابيين من نمط معيّن عرفه العالم.
إن الحرب الكونية التي شنّت على الوطن العربي وخاصة منذ العام 2011 بهدف تشكيل ما أسمي بـ”الشرق الأوسط الجديد” شهدت اعتماد العديد من الأدوات والأساليب تفاوتت من قطر إلى آخر وفق ظروف كل قطر شمله الاستهداف. لكن أخطر هذه الأدوات والأساليب إنما تمثلت في استغلال من ينطبق عليهم وصف “المتعاونين المحليين” ممّن اشترتهم السلطات السعودية وشركاؤها الآخرون ليمثلوا دور “المعارضة المسلحة” في سورية أو دور “الشرعية المهاجرة المسلحة” في اليمن. ويكفي أن تكون الرياض هي المرجعية الأساسية لهؤلاء وأولئك والمموّل الأساسي لهؤلاء وأولئك لتبيّن حقيقة الدور الذي يلعبه أمثال هؤلاء في إعطاء التغطية لدور أكثر خطورة تحوّل فيه “المتعاونون المحليون” المجندون سعودياً إلى تنظيمات إرهابية تكفيرية مسلحة سوّاحة توجد حيث يريد لها مشغلوها أن توجد وتمارس أسوأ أشكال الإرهاب ضد الآخرين. ولقد باتت هذه الأدوات أخطر الأسلحة التي تعتمدها الامبريالية الأمريكية في مواجهة الدول المستهدفة من قبل الامبريالية الأمريكية، وصار النظام السعودي بحكم دوره المحوري في تجنيد هؤلاء أداة أميركا الأساسية في حروبها على الآخرين. فحيثما وجد الإرهاب التكفيري في أيّ مكان من العالم وجدت البصمة السعودية الكامنة وراء هذا الإرهاب.