أخبارصحيفة البعث

الكونغرس الأمريكي للبيع

 

ليست مفاجأة أن يتلقى أعضاء في الكونغرس الأمريكي الرشى من أمراء وملوك الخليج، لأن المصالح متبادلة، أحدهم يقدّم المال، والآخر يقدّم الدعم والحماية، أي أنها علاقة مأجورة بامتياز. لكن المفاجأة أن تخرج صحف ومجلات أمريكية رزينة عن صمتها للإضاءة على هذا النوع من العلاقة، وتحدّد خمسة أسماء في مجلسي الشيوخ والنواب من الحزب الجمهوري تلقوا مبالغ لا تتجاوز 2000 دولار حسب مجلة “نيوز وييك”، التي سخرت من الديمقراطية في أمريكا بأن سعر صوت البرلماني الأمريكي هو مبلغ لا يأخذه صحفي أمريكي مقابل مقال مأجور. كان سبب كشف المبالغ والأسماء هو التصويت في مجلس الشيوخ على وقف تمويل الحرب على اليمن، والذي خلص إلى 63 صوتاً مع وقف دعم الحرب مقابل 37.
هذه الفضائح وغيرها خلقت أجواء انتقادية في أوساط الجمهوريين، بعد الكشف عن مبلغ  27 مليون دولار تدفع لأكثر من 30 مجموعة من لوبيات الضغط السعودية في أمريكا، ما يعني أن تأثير المال السعودي حاضر في قرارات أمريكا، وأنه يفعل ما يريد بالتعاون مع الدولة العميقة هناك.
إن مدى التأثير التي وصلت إليه السعودية في صناعة القرارات في أمريكا بات واضحاً، والدليل هو الحرب على اليمن التي تحوّلت إلى فضيحة أخلاقية، حالها كحالة مقتل الخاشقجي. من الناحية القانونية: إن تلقي الرشى ينافي الدستور الأمريكي الذي يحرم هذا الفعل الشائن، والآن نحن لسنا أمام حالة جديدة، بل قديمة، لأنه بين عامي 2008-2009 تلقى عدد من أعضاء مجلسي الكونغرس أموالاً من السعودية، وتناولتها الصحف حينها بعناوين عريضة، أبرزها “الكونغرس والبيت الأبيض للبيع”. اليوم يعاد سيناريو الرشاوى، يضاف إليه أدلة تشير إلى إدانة ابن سلمان في حربه على اليمن، ومقتل الصحفي المثير للجدل، وهذا يضع أمريكا أمام أزمة دستورية، ويفتح الحرب العلنية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وسيكون العامل الحاسم فيها هو الإعلام والجمهور.
هذه الفضيحة فتحت الباب على فضائح أخرى داخل البيت الأبيض خاصةً بعد أن أخذت دول عديدة قراراً بوقف بيع الأسلحة للسعودية، إلا أن أمريكا لا يعنيها تلك القرارات، لأن ما يحصل هو لمصلحة ترامب، وليس لمصلحة أمريكا، كما قال بيل كلينتون الرئيس السابق.
إذاً، ثمة خلل يحصل في الإدارة الأمريكية، وهذه الفوضى في الخطاب السياسي تضع ترامب في خانة السخرية والسذاجة، وتترجم خطاباته على أن الكونغرس فعلاً بات معروضاً للشراء، أي شراء النفوذ في أمريكا، وحتى البيت الأبيض هو الآخر بات للشراء بعد تحكم ايفانكا ترامب وزوجها بتعيين وطرد الموظفين، وهو حال أشبه لما يجري في بعض الممالك والإمارات.
الآن تجري تحقيقات بقيادة نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في الكونغرس، بعد أن باتت أمريكا أمام أزمة دستورية وأخلاقية سببها ترامب، الذي هو ليس جمهورياً ولا ديمقراطياً، بل هو رأسمالي مهووس بالبيع والشراء، ويرى أن مصلحة أمريكا مع السعودية أهم من أطفال اليمن. لكن يبقى الأمل معقوداً على لقاءات السويد القادمة التي ربما تكون البداية لحل الأزمة، ووقف قتل الأطفال الأبرياء، فالعالم لم يعد يحتمل ابن سلمان وحربه على اليمن. صحيح أن هناك تضارباً في صنع قرار وقف الحرب نتيجة الصفقات الاقتصادية، لكن ثمة أمل  ومتغيّر في السويد، لأن البيئة السياسية باتت ناضجة لإنهاء الحرب في اليمن.
علي اليوسف