هولندا بانتظار عاصفة احتجاجات “السترات الصفراء”
انتقلت عدوى احتجاجات حراك “السترات الصفراء” إلى هولندا، بعدما اجتاحت فرنسا المجاورة، وانفجرت في وجه الرئيس مانويل ماكرون رداً على زيادة أسعار الوقود والضرائب على ذوي الدخل المحدود، فقد وجّهت “السترات الصفراء” دعوة طارئة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة موقع تويتر، للمشاركة في مظاهرة سلمية تنطلق في أمستردام يوم السبت المقبل، الموافق 8 كانون الأول الجاري، للمطالبة بتخفيض الضرائب وتحسين الخدمات الصحية واستقالة الحكومة الحالية.
وذكرت وكالة “أ دي”، الإخبارية الهولندية على موقعها الالكتروني، أن “متظاهري السترات الصفراء حصلوا على ترخيص من البلدية في أمستردام لإطلاق مظاهرة يوم السبت المقبل، وتمّ تسجيلها رسمياً.
وعلى الرغم من أعمال الشغب في فرنسا وبروكسل، فإن بلدية أمستردام تعتبرها احتجاجاً منظماً، وفقاً للمتحدث باسم رئيس البلدية هالسيما”.
وأوضحت الوكالة: “يبدأ الاحتجاج في الصباح في أمستيل، وينتهي عند ستوبارا، وسيتمّ ترديد الأغاني الحماسية أثناء المسيرة الاحتجاجية. وتشمل مطالب ذوي السترات الصفراء خفض الضرائب، وتحسين نظام الرعاية الصحية، ورحيل رئيس الوزراء مارك روتيه”، وتابعت: “المتظاهرون دعوا عبر تويتر، الأشخاص الذين يعتزمون المشاركة في الاحتجاجات إلى عدم رفع اللافتات أو الأعلام والتخلي عن ارتداء الأقنعة”.
يذكر أن المظاهرات بدأت في فرنسا منذ 17 تشرين الثاني الماضي، وتتميز بارتداء السترات الصفراء، ويشارك فيها آلاف المواطنين احتجاجاً على رفع أسعار الوقود، مما يؤثّر على تكاليف المواصلات والنقل، وبالتالي يفرض أعباء إضافية على الموظفين.
وعلى الرغم من وعود الحكومة بتقديم تعويضات عادلة، إلا أن المظاهرات ما زالت مستمرة، وتتصاعد أكثر فأكثر، لدرجة أن المحتجين حاصروا أمس 11 منشأة لتخزين الوقود تابعة لشركة النفط الوطنية “توتال”.
إلى ذلك، تستمر الصحافة العالمية بتسليط الضوء على الاحتجاجات الشعبية الفرنسية ضد سياسات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاقتصادية الفاشلة، التي أثارت غضب عشرات آلالاف من العمال والمتقاعدين والفقراء، مشيرة إلى أن تلك الاحتجاجات أظهرت خيبة أمل كبيرة من سياسات ماكرون على الصعيد الداخلي، وستنعكس بشكل كبير على البلاد.
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قالت: “إن سكان المدن الصغيرة الواقعة على سفوح الجبال شمال شرق فرنسا يشعرون بالغضب نتيجة رفع أسعار الوقود لأن السيارات الخاصة هي الوسيلة الوحيدة للمواصلات كما يشعرون بالسخط على سياسات الرئيس ماكرون لأنهم يرونه كجزء من زمرة النخبة التي لا تهتم بطريقة عيشهم”، ونقلت عن أحد سكان تلك المناطق الجبلية قوله: “إنه شارك في الاحتجاجات نهاية الأسبوع الماضي لأن ماكرون لا يهتم بالفقراء في بلاده”، مضيفاً: “لقد أطلقنا على ماكرون اسم رئيس الأثرياء”، ولفتت إلى اعتراف ماكرون بأن السياسة الفرنسية لم تفعل الكثير لمعالجة تكاليف المعيشة في المدن الفرنسية الكبرى.
من جانبها رأت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن الاحتجاجات الشعبية جعلت ماكرون يقوم بحملة ضد هذه التحركات لحماية برامجه المؤيدة للأعمال التجارية من زيادة الغضب الشعبي ضد حكومته، فيما قالت التايمز البريطانية: “إن احتجاجات باريس التي بدأت ضد ارتفاع أسعار الوقود تحولت إلى خيبة أمل واسعة من رئاسة ماكرون مع هبوط شعبيته إلى أقل من 30 بالمئة ما يشير جزئياً إلى ارتكابه أخطاء سياسية”، وأضافت، تحت عنوان “ايمانويل ماكرون يواجه أكبر تحد خلال رئاسته”، إنه منذ انتخاب ماكرون توقع الكثيرون أن تنهار طموحاته لإصلاح فرنسا كما حدث مع سابقيه على مدى 30 عاماً، لافتة إلى أن قرار ماكرون خفض الضرائب على أرباح الأسهم والمدفوعات الاجتماعية للشركات تمّ النظر إليه من الناحية الاقتصادية كخطوة لتحفيز الاستثمار وتشجيع التوظيف، ولكن عدم مصاحبة ذلك لتخفيضات على الضرائب المفروضة على العمال والفقراء روج لفكرة كونه رئيساً للأغنياء فضلاً عن لهجته التي تبدو متعالية وبعيدة عن عامة الشعب ومشكلاتهم.
وحذّرت التايمز من أن تعامل ماكرون مع الاحتجاجات سينعكس بشكل كبير على فرنسا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام، مشيرة إلى أن المستفيد الأكبر من فشل ماكرون في تلك المهمة سيكون اليمين المتطرف أو أقصى اليسار.
صحيفة “الغارديان” البريطانية قالت: “إن الصعوبات التي يواجهها ماكرون تكمن في أنه أخذ على حين غرة مع بدء مظاهرات السترات الصفراء في شوارع فرنسا بشكل عفوي بعيداً عن القادة والنقابات والأحزاب السياسية”، مبينة أن حكومته فشلت في إحباط ثورة الفرنسيين ضد الضرائب التي يمكن أن تكون نقطة تحول خطيرة يصبح من الصعب جداً معها إعادة غضب الناس إلى الزجاجة في بلد مثل فرنسا مع ارتفاع الضرائب إلى جانب نظام الإنفاق العام العالي، ورأت أن هذه الأزمة حادة بشكل خاص بالنسبة لماكرون لأن التحذير كان موجوداً بالفعل في الانتخابات الرئاسية الفرنسية العام الماضي والتي شهدت فوزه على ماري لوبان زعيمة اليمين في ظل مستوى عال من الامتناع عن التصويت والاشمئزاز من الطبقة السياسية والشعور بالظلم وعدم المساواة في النخبة السياسية التي ينظر إليها بأنها منفصلة عن العمال العاديين في الحياة اليومية والذين كانوا حاضرين جميعهم في الانتخابات التي فاز فيها على لوبان بـ 10 ملايين صوت.
وتأتي هذه الاحتجاجات الشعبية في وقت تواصل فيه شعبية ماكرون تراجعها في أوساط معظم الفرنسيين، الذين يرون أنها تصب فى مصلحة الشركات والأثرياء فقط دون أن تعالج المشكلات الرئيسية المطروحة في فرنسا، بينما يرى مراقبون أنه يسير على خطا سلفه فرانسوا هولاند الذي سجّل أدنى مستوى للشعبية، وذلك نتيجة الفشل الذريع الذي واجهته سياساته على مختلف الصعد الداخلية والخارجية.