الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

قصيدة الماء

الشاعر العربي المصري أحمد غراب
لا شك أن عواطفي مائية
فأنا أسير أجر خلفي.. أنهرا
كل الحقول معي تسافر دائما
وتغوص مابيني وبيني في الكرى
كل البراري يفترشن جوانحي
فأنا صديق للرياح.. وللثرى
أنا لست كحل الأرض لست رموشها
أنا قلبها الثاني.. الذي لايشترى
أنى انطلقت ففي ذراعي نجمة
شقراء عنها الليل يوما.. مادرى
وأنا ضجيج الصمت لا أدري متي
سكنت سفوح دمي ملايين الورى
في التيه بعد التيه صاحبت الحصي
فغدوت رمليّ الملامح.. أغبرا
ولأن أمي من شقيقات الضحي
فالليل يقرأني.. نهارا أسمرا
ولأنني يوما عثرت بجبهتي
أصبحت في الطرقات أمشى القهقرى
ولأن لي في كل أفق غيمة
أصبحت في كل المواسم ممطرا
***********
أنا في المرايا لا أرى إلا أبي
طيفا سماويا.. وظلا أشقرا
أواه.. كيف احتلني من داخلي
وأحسه في ماء وجهي.. أبحرا
وأبي كما يروي تثاءب مرة
فامتد مابين الكواكب.. معبرا
وأبي جبين مثل عرس مدينة
وفم كأعياد السنابل في القرى
وعيونه تحكي قصائد دهشة
هذي العيون.. أشك أن تتكررا
وأبي أساطير.. وسفر خرافة
يروي.. وضوء يستحق بأن يرى
وأبي أشف من البريق كأنه
في الدهشة الأولى.. أفاق مبكرا
كان اختراع الماء من إبداعه
لولا أبي ما كان نهر قد.. جرى
السفح يحكي عنه.. كان يزورني
في القحط عن وجع الربا مستفسرا
يصغي لأسراب البراعم تشتكي
ويحاور الشجر الذي.. ما أثمرا
ويسيل مثل الأنبياء عذوبة
ويداه. تحتضنان غصنا أصفرا
********
ويقال أني من سلالة أنجم
نهشوا قرونا لحم أكتاف الذرا
وقبيل أن يجد النهار عيونه
هبطوا شجيرات وسالوا أبحرا
وتقمصوا روح المكان فأصبحوا
زمنا خرافيا يدور.. مكورا
لكن لماذا اليوم لا أرنو لهم
صوتا ولا أشتمّ.. ضوءا مبهرا؟
ماذا جرى؟… رحلوا كما يخبو السنا
جفوا كما تحسو الرياح العنبرا
لم يبق في الميناء غيري زورق
أرخي يديه على البحار مسيطرا
أنا كاهن الكلمات.. في دير الرؤى
أنفقت عمري واعظا ومبشرا
وأنا أسافر من تضاريسي إلي
مدن البكاء ولا أملّ من السرى
وأنا تزوجت القصيدة حلمة
كسلي ونهدا.. يابسا.. متحجرا
حتى استدارت مثل تفاح الربا
وتدفقت فيها الجداول.. مرمرا
الحرف مملكتي التي عبأتها
غضبا لتصبح كوكبا.. متفجرا
وظفت أم البرق قنديلا بها
وجعلت أم الصمت فيها مخفرا
وأنا الذي نطق الفراغ بريشتي
ووهبته ماء الشعور.. ليشعرا
ماء على ماء ولست بخائف
فأنا أسير أجرّ خلفي.. أنهرا