في المسؤوليّة الاجتماعيّة..!
لازال الإشكال المتمثّل في غياب تعريفٍ واضحٍ، مُتَّفق عليه، للمسؤولية الاجتماعية في بلادنا، يُضاعف حدّة الجدل حيال الدّور المنشود من مؤسسات وشركات القطاع الخاص في هذا المضمار، كما يُبقِي أبواب النقاش ونوافذ الاستفهام مُشرعةً عن الدّور التنموي المنوط برجال الأعمال والشركات خلال المرحلة الراهنة، وأهميّة ربط برامج المسؤولية الاجتماعية بما تمرّ به البلاد من أزمة وتداعياتها على الواقع الاقتصادي المعاش، وما حتَّمه من انكماش في السّيولة واستمرار في سياسات التقشّف وشدّ الأحزمة على البطون!.
غيابٌ ما لبث ينتجُ تشويشاً وخلطاً في المعايير بين العمل التطوعي الخيري وبين ما تتقصَّده وتعنيه المسؤولية الاجتماعية للشركات كجزء مهمّ من مفاهيم التنمية الحديثة، والتي تُدمج فيها القضايا الاجتماعية بالاقتصادية على طاولة صُنّاع القرار وإعداد الاستراتيجيات بسبب العلاقة العضوية الوشيجة وتكامل التأثّر والتّأثير بينهما.
هذا التشويش أفرغ المسؤولية الاجتماعية للشّركات من محتواها، وأبقاها هيكلاً خاوياً، في ظلّ غياب قانون جامع ومُنظّم لهذا القطاع الحيوي؛ أو حتى وثيقة، أو ميثاق وطني، مُلزم أخلاقيّاً، ليستمر بغياب هذه النّواظم؛ تسييل هذه المسؤولية بشكل فطريّ، أو غريزيّ على شكل معونات، أو هبات، تُقدَّم دونما منهجيّة أو تنظيم، ولتتراجع من ثمّ إسهامات شركاتنا المحلية في الاضطلاع بأدوارها التّنموية إلى ضفاف الانكفاء؛ وتُحلّق من ثمّ إشارات الاستفهام عن دور مؤسساتنا الخاصّة من تقديم الدّعم البنيوي -على طريقة علّمه الصّيد بدلاً من أن تمُنّ عليه بسمكة- لذوي الشّهداء والجرحى، أو لذوي الاحتياجات الخاصة ومعوّقي الحرب، وتأهيلهم ليضطلعوا بدورٍ فاعل في المجتمع؟ وأين النّشاطات التّوعويّة، والشّراكات مع الجامعات، والمدارس، والمستشفيات، ومراكز الشباب، والمراكز الثقافية؟ وأين منصّات التّفاعل ونشاطات تطوير الأداء؟ وما حجم المساهمات في تمويل المشروعات الصّغيرة أو متناهية الصّغر أو المشاريع الاستثمارية في مجال التنمية المستدامة؟ وكم لدينا من مُبادرات لإنشاء وتطوير برامج اجتماعية مواكبة لأمّهاتها، إنتاجيّة كانت أم خدميّة؟ ولِمَ هذا الانكفاء في احتضان الخرّيجين أو دعم مشاريع تدريبهم وتأهيلهم العمليّ ومن ثمّ تمكينهم واستقطابهم في سوق العمل؟.
تساؤلات تتناسل من واقع مأزوم؛ يتطلّب تغييراً في ذهنيّات التّعاطي مع ما أنتجه من عقابيل وتداعيات، واجتراح الحلول بمبضع الوطنيّة والانتماء، وتهيئة بيئات نقاش تفاعليّة على مستوى عالٍ؛ تجسر الفجوات، وتستشرف الآفاق، وتُحرّض قطاعنا الخاصّ على المبادرة؛ وصولاً إلى تشميل مظلة الاستدامة مجال المسؤولية الاجتماعية كداعم وموجِّه إنمائي. ولا ضير ههنا من الاستئناس بتجارب الكثير من غرف التّجارة والصّناعة والاتّحادات التّجارية التي خلصت بعد سلسلة من المؤتمرات ومدوّنات السّلوك والأخلاقيات الاجتماعية؛ إلى وجهة نظر مفادها: (أنّ الاقتصاد العالمي الجديد بمشكلاته وآفاقه؛ يحتاج إلى تنظيم ذاتيّ قائم على السّلوك الاجتماعيّ).
والحال أنّنا اليوم أحوج ما نكون إلى ميثاق وطنيّ للمسؤولية الاجتماعية، كلبنةٍ أساسٍ؛ تضمن تصدّي القطاع الخاص لدوره الوطنيّ والمجتمعيّ المنشود، وتكفل زجّه في معادلة العطاء المتبادل مع مجتمعه المحليّ.
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com