أخبارصحيفة البعث

التصفية بالتطبيع

 

كل العوامل تجتمع الآن ضد حكومة نتنياهو، والأصوات المناهضة لسياسة الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة بدأت ترتفع، لكن من غير المستبعد أن تكون تلك الأصوات فقط من باب البحث عن نوع من المشاغلة المؤقّتة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، صاحب “صفقة القرن”، والذي بات تحت مرمى سهام الحزبين الجمهوري والديمقراطي في قضايا كثيرة داخلية وخارجية، منها الدعم اللا محدود للكيان الصهيوني، والمزيد من توريط الولايات المتحدة في الحرب على اليمن، وتأليب الرأي العام العالمي ضد أمريكا التي باتت منذ وصوله إلى البيت الأبيض على أنها مخرّبة للقوانين الدولية، ومساهمة رئيسية في زعزعة استقرار دول كانت في الأمس القريب من أشد الحلفاء.
هذه العوامل استشعرها نتنياهو، لهذا بدأ التخبّط يظهر على شخصيته القلقة، والخوف من انقلاب المعادلة ضده، وهو الذي كان يعوّل كثيراً على قلة خبرة ترامب السياسية، واستخدام ردات فعله العنيفة في تمرير ما كان يخطط له منذ زمن بعيد، سواء في داخل الأراضي المحتلة، أو من خلال موجة التطبيع التي تسارعت بطريقة ملفتة للنظر. لقد افتعل نتنياهو أزمة الأنفاق مع حزب الله لإشغال الرأي العام، وإيهامه بالخطر القادم، لكن هذه الكذبة لم يتفاعل معها أحد، بل ارتدت عليه، ودبت الرعب في قلوب مستوطنيه فقط. وخلال الأيام القليلة الفائتة، أسقطت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار تقدّمت به نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة لإلصاق صفة الإرهاب بالمقاومة في فلسطين المحتلة، حيث شكّل إسقاط المشروع إنجازاً كبيراً لصالح المقاومة، وبالتالي انتصاراً مهماً ضد واشنطن والكيان الإسرائيلي.
وهنا استغل نتنياهو المأزوم هذا القرار، وأشعل حرباً على نطاق ضيّق في رام الله للهروب إلى الأمام، لكن انقلب السحر عليه، إذ كانت ردة فعل المقاومة الفلسطينية قوية ومفاجئة من خلال عمليات فدائية، أعادت للذاكرة العمليات التي كان يقوم بها عناصر المقاومة الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي، حتى بات يتردد في الأروقة السرية أن الكيان الصهيوني بدأ يرسل الرسائل السرية لتهدئة الأوضاع.
صحيح أن المقاومة الفلسطينية، قلبت المعادلة، إلا أن ذلك سيكون دافعاً للكيان الإسرائيلي في نسج علاقات أقوى مع الدول الساقطة، أو تلك الآيلة للسقوط في تيار التطبيع العلني، ولاسيما تلك الأصوات المتصهينة التي تعتبر المقاومات حركات إرهابية، خاصةً أن نتنياهو أصبح منذ الفترة الأخيرة وحتى الآن، حليفاً جيداً لدول عربية تتجاوز صراحةً سياساتها المعلنة تجاه القضية الفلسطينية، ما يتطلب وعياً لحجم المؤامرة، والمخطط الصهيوني القادم، وبالتالي التحرّك على كافة المستويات والسبل لإسقاط هذا المخطط.
لذلك، إن ما يجب أن يكون محلاً للقلق، ليس الإجراءات الإسرائيلية المنفردة في رام الله أو باقي الأراضي الفلسطينية، بل الإجراءات المتجهة نحو تكريس التأثير الإسرائيلي على الحلفاء الجدد، وتصفية القضية الفلسطينية بالتطبيع مع أكبر عدد من الدول العربية، ولهذا فإن خيار المقاومة يجب أن يترافق مع مواجهة دبلوماسية في مجلس الأمن لتفعيل قرار العضوية الكاملة لدولة فلسطين، والحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وكذلك الحال بالنسبة لمحكمة العدل الدولية التي أمامها قضية تتطلّب منها قراراً حول اعتبار القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، ونقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة.
علي اليوسف