الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

حِقْد الأباعر

 

عبد الكريم النّاعم
< الأباعر جمْع “بعير”، وهو ذلك الحيوان المعروف في منطقتنا، ومن بعض صفاته أنّه شديد الحِقد، ولذا يُضرَب المثَل عند البدو والفلاّحين بذلك فيقولون “أَحْقد من بعير”، ويروون في ذلك أنّ بعيرا حقدَ على صاحبه، فترَكه حتى نام فقام إليه وبرَك فوقه حتى لفظ أنفاسه.
< أسد تركي الخضر، شاعر من حمص، كان أوّل تعرّفنا عليه، فيما أذكر، قبل أكثر من ربع قرن، يوم اختير من قبل اللجنة المكلَّفة بنخْل نصوص مهرجان شعريّ لرابطة الخرّيجين الجامعيّين، ولم يكن أحد منّا يعرفه، بل تعرّفنا إلى القصيدة العموديّة التي أرسلها، وكم من شاعر في حمص، كانت بدايات إطلالته على الجمهور إمّا من على منبر اتحاد الكتاب العرب، أو من على منبر الرابطة، واستمرّ أسد الخضر في مثابرته الدّؤوبة، هادئا، متمكّنا، وهو لم يكتب، أو قد يكون الأصحّ لم ينشر، إلاّ القصائد الآخذة بنمط (العمود)، وهو عموديّ في شكله، مجدِّد في مضامينه، يشدّك بقوّة سبكه، وبصوره، وبمعانيه، وقد عرفه أكثر من منبر في هذا القطر، وربّما كان تتويج ذلك نيلُه جائزة الشاعر عمر أبو ريشة الشعريّة قبل هذا العام، وصدرت له مجموعة شعريّة عن اتحاد الكتاب العرب، ومجموعته الثانية في مطبعة وزارة الثقافة.
شاعرنا المميَّز تقدّم لمسابقة “أمير الشعراء” لهذا العام، والتي تُقام في أبو ظبي، وكان من المقبولين، ولقد تهيّب بعض المتقدّمين من مشاركته، لأنّه، كما يظنّون، سيُغلق الآفاق على الآخرين، غير أنّ مالم يكن في الحُسبان هو بروز تلك العقَبة الكأداء.
حين وقف أمام اللجنة المؤلَّفة من النقّاد صلاح فضل (مصر)، عبد الملك مرتاض (المغرب)، على بن تميم (الإمارات) وقرأ نصّه أجازه صلاح فضل وأثنى عليه، وعلى لغته، وعلى شاعريته، وكذلك فعل مرتاض، وحين جاء دور ابن تميم، كانت ملامح وجهه لا توحي بالاطمئنان، حتى لكأنّه أمام مايُحرج، أو مالا يتمنّى مواجهته، ورغم الموقف العدائي، الذي لايقوم على أساس إلاّ أساس الفضاء السياسي، فلم يكن أمامه إلاّ أن يُجيز النّصّ، فشاعريّته، وجدارته ليستا خافيتين، وسبقه في الإجازة ناقدان معروفان على مستوى الوطن العربي، بيد أنّ شاعرنا أدرك أنّه لن يُسمح له بتجاوز تلك العتبة، ولعلّ بعض ما واساه أنّ شاعرا عراقيا انفرد به، فور مغادرته اللجنة، وقال له ما معناه: “أخي لاتحزن، نحن في الجرح واحد”.
تُرى ماالذي أزعج ابن تميم، أهو الاسم أم القطر الذي جاء منه ذلك الشاعر؟! لقد لوحظ منذ عدد من الدورات أنّ جائزة “أمير الشعراء” محكومة بمنطق الأهواء السياسيّة، لا بقيمة الشعر والشاعريّة، فمنذ عدّة دورات استُبعدت الشاعرة السورية المعروفة ليندا إبراهيم، عن هذا اللقب الجدير بها، لا لشيء إلاّ لأنّها من سوريّة!
نحن كنّا نعلم أنّ ثمّة أجهزة خفيّة غير معروفة، وراء العديد من نتائج (التتويج)! ولكنّ آثارها واضحة، تعمل من وراء ستار، ونُدرك أنّها تدرّبت على أيدي المخابرات البريطانيّة والأمريكيّة، وأنّها تعمل بالأسلوب ذاته، ولكنّ المفاجئ أنْ لا يستطيع واحد من هؤلاء ضبط نفسه، في الظاهر على الأقلّ، فكم هو حجم الحقد المحمول في تلك الأعماق، والذي كان من نتيجته أنْ يُستبعَد شاعرنا من المرحلة التالية، لا لسبب إلاّ لأنّه من سوريّة!.
لابن تميم، ولأمثاله، ولمن يحملون جرثومة عدائه لسوريّة نقول، إنّ سوريّة تمكنّت من كسر المشروع الصهيو أمريكي الأَعرابي بدماء أبنائها ، فهل ثمّة قدر من الخجل حين يختلي الإنسان بنفسه، أم أنّ الأحقاد تظلّ أكبر؟!!.

aaalnaem@gmail.com