محمود الساجر.. التكامل بين الفنان واللوحة
ينتمي الفنان محمود الساجر إلى جيل خبر تحولات ثقافية مختلفة مثلما خبر متطلبات اللوحة الفكرية وما يعنيه الفن التشكيلي في إحداث مفاهيم جمالية جديدة مرافقة لهذه التحولات الثقافية والفكرية، مثله كمثل العديد من الفنانين السوريين الذين قاربوا أصناف الإبداع المختلفة من شعر ورواية ولوحة ومسرح، وتماهت شخصياتهم مع مشاغلهم الإبداعية، وأضحى من الصعب الفصل بين الشخصي والمنتج, فالفنان القادم من محافظة بعيدة حاملا هواجسه الواضحة ليقدمها في مجموعة من اللوحات لا يسترضى أحدا من أولئك المتحكمين بمزاج اللوحة، بل يكتفي بمقولته التي عاش من أجلها وتمثله حق تمثيل، ربما تطغى لغة التلميح على خطابه إلا أن الواضح أن هناك شيئاً مختلفاً عما يعرض من اللوحات في بقية صالات العرض، حيث يدور الأغلبية في دائرة التشابه والاستعارات المرتجلة، كما لم ينج إلا القليل منهم من طغيان الاستعراض والسطحية.
ربما نكون أمام فنان من قماشة أكثر حساسية بالمأساة وأكثر حزنا وصمتا، حتى لو اشتعلت مساحات لوحته باللون الأحمر، إلا أن الأزرق النبيل هو سيد العاطفة وروح الصورة المشتهاة .
ويشهد على شاعرية الساجر وتطابقها مع لوحته وتقنيته قول الفنان غياث الأخرس: “نجد أن الساجر يلعب على الخامات والتكوين القريب من الحس الهندسي لكن بتكامل دقيق، بحيث تتحرك الخامة من خلال التقنية اللونية لتعطيها غنى وحياة تسيطر على العين، الخامة واللون يتعايشان بشاعرية تتكلم عن نفسها، وهنا نكتشف الفنان المصور التعبيري بحسه الفطري أو العفوي أكثر مما تحمله الأعمال القريبة للتكوين شبه الهندسي.. نحن أمام تجربة كبيرة تستحق البحث فيها بعمق وعلى مساحات كبيرة لتتنفس وتغني حضورها أكثر”. كما يضيف في دليل المعرض الفنان سعد يكن: “وحدة متماسكة في التشكيل والأسلوب وشخصية واضحة تضع المشاهد أمام حس صادق وأزمة إنسانية تنبع من ثنايا الموجودات لتشير بصمت يصرخ في العين والقلب، فيما قوة التعبير تتجاوز الحديث عن الأسلوب المكتمل مع الموضوع بوحدة وانسجام، تجربة لا يمكن الفصل إطلاقا بين الفنان والعمل الفني ولا يمكن أن نتصور أن تلك المشاهد بعيدة عن الفنان، هذا التكامل والصدق في التجربة يعتبر نادرا في ظروف اتسع فيها مجال تجار التجارب مسبقة الصنع للوصول إلى قيمة فنية، حالة متكاملة بين الفنان ولوحته وحياته التي تشير إلينا بحزن صامت عن مشكلة نحسها من دون أن ندرك بعدها الحقيقي: ما قدمت إلينا في أعماله المتميزة لدرجة الصمت”.
تعرض أعمال الفنان الساجر حاليا في صالة المركز الوطني للفنون البصرية، ويأتي هذا المعرض خاتمة لجملة معارض نوعية شهدتها الصالة هذا العام في خطوة لتعزيز القيمة في التشكيل السوري، ومحاولة لتقديم التجارب الجادة في مشهد غلبت عليه الضحالة والضجيج.
أكسم طلاع