تحقيقاتصحيفة البعث

النقابات العمالية: الأداء الحكومي لم يرتق إلى مستوى التحدي.. والمبررات غير مقبولة مقارنة بحياة ومعيشة المواطن

 

رغم تأكيد الاتحاد العام لنقابات العمال على أن الظروف الاستثنائية تستوجب تحديد الأولويات بشكل دقيق، والعمل بالنفس الطويل كما يقولون لجهة العلاقة مع السلطة التنفيذية، إلا أنه لم يعفها في تقريره الاقتصادي من مسؤوليتها وتقصيرها فيما آل إليه حال المواطن، أو الواقع الاقتصادي بشكل عام، سواء لجهة عدم الأخذ برؤيته الاقتصادية التي كان من الممكن أن يبنى عليها لتكون مدماكاً في عملية الإصلاح الاقتصادي، فلم يلمس إرادة حقيقية للعمل رغم موافقة مجلس الوزراء عليها، أو لجهة الانخفاض الحاد لسعر صرف الليرة مقابل الدولار، وارتفاع أسعار السلع، وضعف القوة الشرائية، مع بقاء الأجور كما هي، عدا عن أن الزيادات التي حصلت لم تكن كافية لردم الهوة بين الأسعار والأجور، كما أن المحتكرين والمتلاعبين لعبوا دوراً كبيراً في تأزيم الواقع المعيشي لتحقيق مكاسب على حساب المواطنين دون اتخاذ أية إجراءات بحقهم، ما جعلهم يتمادون أكثر في استغلال الأوضاع، وزيادة ثرواتهم، والتلاعب بلقمة عيش الناس الذين استنزفت مدخراتهم المالية والعقارية حتى وصل الأمر الآن بأغلب المواطنين إلى حد الفقر أو ما دون خط الفقر، ولم تستطع الحكومة اتخاذ أي إجراء، أو لم تحاول اتخاذ إجراءات تخفف الأعباء عن المواطنين لجهة تأمين حياتهم المعيشية على أقل تقدير، متذرعة بالظروف دون التصدي لواجباتها في تأمين حياة كريمة للمواطنين، واتهم الاتحاد بأن الأداء الحكومي لم يرتق إلى مستوى التحدي، وكل المبررات التي سيقت من قبل الحكومات والإدارات المتعاقبة خلال سني الأزمة غير مقبولة مقارنة بحياة ومعيشة المواطن.
الرافعة الأساسية
ودافع التقرير عن القطاع العام، معتبراً إياه الرافعة الأساسية للاقتصاد الوطني، ومصدر قوة ليس اقتصادياً فقط، بل سياسياً أيضاً، وأعطى الضمانة لمقومات الصمود والتصدي، بالرغم من الحصارات الجائرة التي كانت ومازالت مفروضة على بلدنا، حيث يعاني القطاع من صعوبات كثيرة أهمها قدم الآلات، والفساد الإداري، وتسرب الأيدي الفنية الخبيرة، وخاصة خلال الأزمة نتيجة تدني مستوى الأجور، والبحث عن فرصة عمل أفضل يكون عائدها المادي أكبر، بالإضافة لما لحقه من تخريب على أيدي الإرهابيين.
وأكد التقرير أن إصلاح هذا القطاع لم يكن وليد اللحظة إنما منذ زمن، لكن تعثر الإجراءات الحكومية بسبب غياب الرؤية الواضحة تجاهه، أو لأسباب أخرى أعاقت إصلاحه نظراً لتعدد الطروحات، فتارة إصلاح القطاع العام الصناعي، وتارة أخرى طرحه للاستثمار أو التشاركية مع القطاع الخاص، وخلص التقرير إلى أن هذا القطاع في طريقه للتصفية والإنهاء عن طريق وضعه بالاستثمار، وخاصة المنشآت الرابحة والحيوية، فكما حصل بالنسبة لمحطة الحاويات يحصل الآن في قاعات مطار دمشق الدولي، حيث سيتم طرحها للاستثمار، أو أعلن عن استثمارها، ويستغرب الاتحاد كيف أن الدولة غير قادرة على إدارة منشآتها لغاية في نفس يعقوب كما يقولون، واستنتج أن موضوع إصلاح هذا القطاع غير وارد نظراً للأرقام الخجولة التي ظهرت في الموازنة العامة للدولة لعام 2018، حيث تم رصد مبلغ /825/ مليار ليرة سورية للإنفاق الاستثماري، و/1100/ مليار ليرة سورية في موازنة 2019، وهذه الأرقام غير كافية للإصلاح وإعادة الإعمار إلا إذا كان هناك توجه في إعادة الإعمار لتلزيم الأعمال لشركات قادمة من الخارج، أو شركات محلية، خاصة مع غياب الشركات الإنشائية العامة، وذلك لعدم مقدرتها على القيام بأعمال كبيرة لعدة أسباب أهمها تدني أجور الفنيين والعمال، وعدم وجود الآليات التي تلبي حاجة العمل، وهذه المبالغ المخصصة دفعت الاتحاد للتساؤل عن إمكانية إعادة ترميم ودعم الشركات الصناعية، أو إنشاء معامل ومصانع جديدة لتوفير فرص عمل، كما ورد في الموازنة العامة لعام 2019 التي قيل إنها تستهدف توفير /50/ ألف فرصة عمل.

نقص المنتجات
لم يغفل الاتحاد في تقريره الاقتصادي القطاع الزراعي، والسنوات الصعبة التي عانى فيها من الجفاف بشكل أدى إلى تضرر المزروعات البعلية، ونقص بعض المنتجات الزراعية، ولفت إلى الخطوات التي يجب القيام بها تجاه الزراعة لتأمين الاكتفاء الذاتي، وبخاصة المحاصيل الاستراتيجية، وعلى رأسها القمح، داعياً الحكومة ووزارة الزراعة لوضع خطة زراعية متكاملة، وإلزام المزارعين بها، والتشدد في تطبيقها، وذلك بالتنسيق مع وزارتي الاقتصاد والتجارة الخارجية، ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وذلك بهدف إحصاء مجموع الأراضي المزروعة، وكمية الإنتاج المقدرة، وحاجة الاستهلاك المحلي لكل صنف من المزروعات، وإمكانية تصدير الفائض، وعدم ترك الحبل على الغارب حتى لا يقع المحظور، وتقع المحاصيل بين طرفي العرض والطلب، كما حصل في السنين السابقة بمحصول البطاطا، حيث وصل سعر الكيلوغرام إلى /500/ ل.س، وذلك لعدم توفر المادة، وفي السنة التالية عندما تمت زراعة كميات كبيرة، وكان الإنتاج وفيراً، انخفض سعر الكيلوغرام إلى /100/ ل.س أو أقل، الأمر الذي أدى لخسارة الكثير من المزارعين، لذلك يجب إعداد دراسة متكاملة لخطة زراعية تساهم فيها جميع الجهات المعنية، إلى جانب تقديم الدعم للمزارعين، وذلك عن طريق توفير مستلزمات الإنتاج من آليات، وبذور، والاعتماد على أصناف جديدة محسنة وفيرة الإنتاج وتكون مقاومة للجفاف، وتأمين الأسمدة، ودعم المزارعين بقروض ميسرة، ويرى الاتحاد أن تنفيذ ذلك يبدو صعباً نظراً لحجم المبلغ المرصود في الموازنة العامة لعام 2019 لدعم صندوق الإنتاج الزراعي الذي بلغ فقط /10/ مليارات ليرة سورية.
وشدد التقرير على أهمية العمل الجاد لتسويق المحاصيل بأسعار تشجيعية لتحفيز المزارعين على الاستمرار، وعدم تحميلهم خسائر كبيرة، والبحث عن أسواق لتصدير فائض الإنتاج حتى لا يحصل في موسم الحمضيات في الساحل السوري ما يحصل سنوياً، حيث يتلف المحصول دون قطاف، مع العلم بأن كمية الإنتاج من الحمضيات تبلغ أكثر من 1,1 مليون طن قياساً على عام 2017، وتقديراً لهذا العام، كما أن الاستهلاك المحلي لا يتجاوز /500/ ألف طن، وتبيّن بأنه لم يتم تصدير سوى أكثر من 3,8 من الإنتاج، أي بحدود /42/ ألف طن العام السابق، وقياساً عليه أيضاً سيتم تصدير هذه النسبة مع دعم أجور الشحن.

لا يكفي
وكان الاتحاد واضحاً في موقفه حيال الانفلات في الأسعار في ظل ظروف الأزمة، وانخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار الذي كانت له تداعيات كبيرة، وفوق استطاعة المواطن الذي لم يعد يكفيه أجره الشهري لمدة أسبوع، وكل ذلك نتيجة الغياب التام للرقابة والمحاسبة للمتلاعبين والمحتكرين ممن استغلوا الظروف للإثراء على حساب ذوي الدخل المحدود الذين باتت أجورهم لا تكفي، وهم مقبلون على الأسوأ، وخاصة بعد صدور الموازنة العامة لعام 2019 التي بلغت /3882/ مليار ليرة سورية، حيث لم تلحظ فيها زيادة على أجور العاملين، أو أي معادل لأجورهم التي كانوا يتقاضونها قبل عام 2011، لافتاً إلى أن الموازنة تم إعدادها على سعر صرف يبلغ /435/ ل.س، وهذا ما يثير الاستغراب ومخاوف الناس، فالفارق كبير في الأجر قياساً على أسعار المواد التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بأسعار الصرف في السوق السوداء التي تصل حالياً إلى أكثر من /490/ ل.س.

كثرة التحديات
لا يمكن إنكار ظروف العمل الحكومي الصعبة، وكثرة التحديات، وتعدد أوجهها الاقتصادية والاجتماعية التي حفظها المواطن عن ظهر قلب، وخبر تداعياتها، إلا أنه في الوقت ذاته لا يمكن تجاهل أنها أسعفت العمل الحكومي، ومنحته فرصة إقناع الناس بضرورة قبول الأمور كما هي دون النظر إلى الوجه الآخر للحقيقة التي تقول إن المسؤولية فيما يحدث في حياة المواطن تقع على كاهل الوزارات المختلفة التي أخفقت في أداء دورها، ولم تستطع النفاذ بشكل فعلي إلى ساحة الحلول.
لا شك أن العلاقة بين النقابات والحكومة تبنى على أساس قوة التفاعل والتجاوب مع المطالب، والقضايا التي تطرح، سواء على صعيد الحياة العامة، أو في حياة الطبقة العاملة، وطبعاً هذه العلاقة تبقى مشفوعة بدقة المرحلة، وصعوبة الظرف، واليوم مع تجدد اللقاء النقابي الحكومي، هناك آمال كبيرة بإيجاد حلول للعديد من القضايا بشكل حقيقي، والغاية ليست التصعيد في الطرح، وإنما المعالجة التي تصر عليها النقابات، وتعمل على تقديم كل ما من شأنه خدمة هذا الهدف.
بشير فرزان