أحمد اسكندر أحمد في ذكراه الخامسة والثلاثين
د. صابر فلحوط
هناك رجالٌ يتدّرعون بالخلود، غداةَ رحيلهم الأبدي، فتتحوّل آثارهم وقبورهم إلى قناديل يتآخى في زيتها الروحي، الحبُ والعطرُ والضوء.. كذلك كان الأخُ والصديقُ والرفيق أحمد اسكندر أحمد الذي سرى صاعداً إلى كوكبه الأرفع مبكراًَ، بعدما فاضت عن صدره أوسمةُ التميّز والسبق في الثقافة والفهم وعبقرية الاقتدار في جمع الرفاق والأحباء، والزملاء، وتعبيد الدروب بالسماحة والودّ إلى قلوب الآخرين على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسيّة، والروحية.
هل سمعتم برجلٍ، في موقع رفيع من المسؤولية العامة، بلا خصوم ولا أعداء؟!.. إنه الراحل المقيمُ في قلوب أحبائه ورفاقه -أبو رباب- الذي نحتفي اليوم بالذكرى الخامسة والثلاثين لرحيله..
لقد منحني القدرُ فرصةَ التآخي مهنياً، وحزبياً، ووظيفياً مع الكبير -أبي رباب- في جريدة البعث في فجر التصحيح المجيد، وفي اتحاد الصحفيين الذي تقاسمنا، صحبةَ الرفيق فؤاد بلاط -أطال الله في عمره- وضعَ اللبنات الأولى لهذا الصرح الإعلامي الذي نعتزّ بالانتساب إليه، والعمل تحت رايته العتيدة..
ثم انقسمت الدارُ إلى ديار، فانتقل -أبو رباب- مديراً عاماً لمؤسسة الوحدة، ورئيساً لتحرير جريدة الثورة، كما أصبح الزميل فؤاد بلاط مديراً عاماً لهيئة الإذاعة والتلفزيون ثم معاوناً لوزير الإعلام، وبقيت مع صحابة مباركة من زملاء مهنة المتاعب حوالي أربعة عقود، هي أغنى وأقسى مرحلة في حياة البلد.
كما ارتفع الغالي -أبو رباب- للعمل وزيراً للإعلام حيث إبداعات الوطن ومواجهاته في حرب تشرين المشرّفة، والمصادمات مع الفكر الظلامي في مطالع الثمانينات.
وقد امتلك -أبو اسكندر- من صفاء النفس ونقاء السريرة ما يُباهي ضحكات الأطفال، وقطرات الندى في بواكير الربيع. كما امتلك من الجرأة في اتخاذ القرار، وسرعة توليد الأفكار، ما كان مثار إعجاب مرؤوسيه وإكبارهم في العمل الإعلامي الذي لا تبرد ناره على مدار الساعة.
كما تحلّى -أبو رباب- بالذكاء الحاد، وسعة الصدر، والقدرة على امتصاص غضب -أولي الأمر- دفاعاً عن زملاء المهنة من صحفيين ومذيعين، ومخرجين.. وعندما كان يخونُ بعضهم الاجتهادُ ينبري -أبو اسكندر- ليكون درعَ الصدّ، ومترسة الصاعقة، لحماية المخطئين من سياط الذين لم يتذوقوا مرارة المهنة، وسمّها الناقع، ومتاعبها المهلكة!!..
ولا عجب أن يقوم -أبو رباب- بمهمّة الدفاع عن زملائه الصحفيين على الدوام، أليس هو الوزير الوحيد القادم من بين الصحف، وحبر المطابع في سبيل توحيد قلوب الإعلاميين بعدما كانت شتى؟!..
لقد ذاق -أبو اسكندر- الفقر والشحّ في يفاعته فما كفر، ويوم ابتسمت له الدنيا في شبابه فما تغيّر ولا تكبّر، وغداةَ ابتلي بالمرض العضال، كان كفواً له بالمواجهة وجسارة الصناديد، وشجاعة المحتسبين المؤمنين بأقدارهم، وبقي في جميع الحالات هوَ هو، ابن القيم الباذخة المتمسّكة حتى آخر حدود النبض بعروبتها، وأصالتها، وسليل المدرسة المتواضعة على رفعة مقامها، وعلو سنامها.
أبا اسكندر، ليتك معنا، هذه الأيام، في موكب شعبنا المنتصر بصموده الأسطوري، ودماء شهدائه، عظماء هذا العصر وكل عصر، وقيادته المبدعة حكمةً وشجاعةً في ميادين السياسة والسلاح، حيث (ضبط العالم ساعته على وقع بطولات جيشنا الذي حطّم حلقات المشروع الصهيوأمريكي، وأذاق الإرهاب التكفيري الوهابي الرجعي علقم الهزيمة، بعدما خلع أنيابه، وهشّم دماغه، وأرغم أنوف حُماته ومشغليه خلف البحار، وحوّل الديار، من البيت الأبيض هناك إلى البيوت السود الغارقة في نفط الخليج).
لك المحبة المتجدّدة -يا أبا اسكندر- من أسرتك الصحفية والإعلامية، ومن عموم الشرفاء الذين ودّعوك أروع وداع في أنبل عرس للوفاء من دمشق إلى حمص حيث مثوى ابن الوليد، وشميم العروبة الحضارية الخالدة.
وتحية لروحك تتنامى على الدوام مع توالي الأيام والأعوام، ولأسرتك التي أنجبتك والعقيدة التي ألهمتك والعروبة التي كنتَ ابنها البار أصالةً ومسيرة عطاء ونضال.