اقتصادصحيفة البعث

هيئة التخطيط الاقليمي تطرح وثيقة التوجهات والمنطلقات الأساسية للإطار الوطني منصة تساعد أصحاب القرار بضبط مسارات التنمية المكانية في ظل الموارد المتاحة

 

لم تطغَ الملاحظات المقدمة على وثيقة التوجهات والمنطلقات الأساسية للإطار الوطني في الجمهورية العربية السورية، على الانطباع العام الذي عبر عنه المجتمعون لمناقشة هذه الوثيقة بـ”الجيد”، نظراً لاعتمادها إطار عمل تنموي مرتبط بالمكان يضع التوجهات الأساسية للعملية التنموية المكانية استجابة للمتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ولكونها منصة تساعد أصحاب القرار في ضبط مسارات التنمية المكانية وانعكاساتها في ظل الموارد المتاحة، ولأنها تشكل نقطة الانطلاق الأساسية لتطوير مشروع الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي القادم. إذ اعتبر رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس الذي ترأس اجتماع أمس، أن الرؤية التنموية توضحت أكثر من خلال هذه الوثيقة، التي تأتي ضمن سياق معرفة وتحديد طاقاتنا ومواردنا الاستثمارية، ولاسيما إذا ما علمنا أن أهم مكون لاستقطاب رؤوس الأموال يكمن بأن “نعرف ما نريد بالضبط، وبأي اتجاه نسير”. موضحاً أن سورية مقبلة على أكبر ورشة استثمار على مستوى العالم.

مرحلتان
وبالعودة إلى الوثيقة التي عرضتها مدير عام هيئة التخطيط الإقليمي ماري التلي فقد تضمن إطارها الزمني مرحلتين؛ الأولى انتقالية ترتبط بالتوجهات الأساسية للوثيقة زمنياً بمرحلة انتقالية حتمية تتجه فيها سورية نحو التعافي والانتعاش، على أن تحقق التنسيق المكاني بالاعتماد على الموجهات الأساسية لوثيقة الإطار التي يمكن اعتبارها كموجه للتنمية الشاملة المنشودة، والثانية مرحلة الاستدامة وترمي إلى قواعد وركائز مكانية تنموية تنطلق من خلالها نحو مرحلة أكثر تطوراً واستدامة، حيث سيعتمد الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي المحدث بعداً زمنياً “15 سنة” من تاريخ إقراره وفق القانون 26 للعام 2010، على أن تلبي مخرجاته كافة احتياجات الخطط التنموية مكانياً، مع الإشارة هنا إلى أن هاتين المرحلتين متداخلتان ومتكاملتان زمنياً ومكانياً بما يعزز تلازم مسارات التنمية المحلية والإقليمية والوطنية للعودة إلى محركات النمو المستدام اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً.

رؤية
وتركز رؤية المنطلقات الوطنية الرئيسية بهذه الوثيقة على اعتماد نهج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتوازنة المستدامة على أسس مكانية مدروسة تتجاوز الأضرار الناجمة عن الحرب على سورية بآليات تخطيطية باتجاهين: من وإلى “الوطني – الإقليمي – المحلي”، وأشارت الوثيقة إلى المحددات المكانية الرئيسية المتمثلة باستمرار التركيز المتزايد للسكان والاستثمارات بشكل أساسي في المدن وخاصة باتجاه “شمال – جنوب”، وتراكم الاختلالات المناطقية مع الدمار الكلي أو الجزئي بأجزاء واسعة من الأراضي واستمرار نمو المناطق العشوائية، والتغيرات الديموغرافية واستمرار الطلب على السكن الاجتماعي، وزيادة الإشكاليات المتعلقة بتحديث وتوسيع المخططات التنظيمية، واستمرار القيام بالدراسات التخطيطية التفصيلية بمعزل عن المستويات التخطيطية الأخرى، وتعطل مسار الإصلاح في البيئات الكلية الناظمة، إضافة إلى فوضى استثمار الموارد الطبيعية وعلى الأخص المائية، وعدم ضبط الخطط القطاعية مكانياً.

تحديات وفرص
وعرضت الوثيقة تحديات وفرص المرحلة الانتقالية، أولها تحديات عمرانية “التجمعات الحضرية” نتجت عن تغيرات مكانية طارئة ومتسارعة داخل وخارج المخططات التنظيمية، وتكمن الفرصة في هذه الحيثية بضبط وتوجيه التطور المكاني بما يحقق التشبيك المتكامل للموارد المحلية من خلال تعزيز المشاريع العمرانية والريفية الحيوية، وتدوير المناطق العمرانية وإعادة تأهيلها وتحويلها إلى مشاريع بنوعية عالية.
ويتمثل التحدي الثاني بالإسكان والسكن العشوائي خاصة في ظل موجات العودة الكبيرة وتزايد الحاجة للسكن الاجتماعي، لتكون الفرصة هنا بنهج تخطيطي تنموي يشمل عرضاً عقارياً مناسباً من الأراضي يشكل الشرط الرئيسي للاستجابة لاحتياجات التعافي والتنمية المستدامة، وضبط ارتفاع أسعار الأراضي، وتأمين الوصول إلى الخدمات والعمل والنقل.
أما تحدي شبكات البنية التحتية والخدمات، فقد جاء بفعل النشاط الحضري، والفرصة هنا تطوير منظومة شبكات مرتبطة مع تطور النهج التنموي للتخطيط المكاني، وتضم تطوير العلاقة المكانية لشبكات النقل وذلك بتعزيز قوة وفعالية أدائها بما يعكس قوة التفاعل المكاني للمناطق الحضرية، وتطوير وإدارة منظومة الشبكة المائية، وإدارة الصرف الصحي، وتطوير شبكات تدعم الأنشطة الحضرية المتزايدة.

بعد تنافسي
وفيما يخص تحديات وفرص المرحلة الانتقالية، بينت الوثيقة أن التحديات المكانية التنموية تتركز في هذه المرحلة بالمستويات التخطيطية كاملة، والتي تشكل فرصة حقيقية نحو التنمية الإقليمية المتوازنة والشاملة، لها بعد التكامل البيني “الأقاليم التخطيطية” الأمثل من جهة، والبعد التنافسي النوعي مع دول الجوار من جهة ثانية، بما يعزز أهم الأبعاد التنموية كتعزيز المكانة الوطنية وفوق الوطنية من خلال تطوير مناطق النشاط الصناعي والتجاري بمستوى وطني وفوق وطني، تتوضع على المحاور الرئيسية والتبادلية، والأنشطة اللوجستية التقنية والتي تتوضع عادة في مداخل المدن وعلى محاور الحركة الرئيسية، بالتوازي مع تطوير سياحي نوعي ومخطط، وإعادة تنظيم وترتيب التطوير الخدمي، على أن تتوزع مناطق الأنشطة المحلية بطريقة متوازنة مكانياً.
يضاف إلى ما سبق أيضاً تعزيز الأبعاد والروابط الاجتماعية والثقافية وذلك عبر تطوير التشاركية في وضع منهجية التعامل مع المناطق المتضررة، والعمل على تطوير طرائق وإجراءات حيازة ذوي الدخل المحدود على السكن، والبحث عن التوازن الأمثل للوظائف الخدمية والتعليمية والثقافية والترفيهية، وتحقيق سلامة وسهولة الوصول، مع التوعية البيئية لتحسين الإطار الحياتي اللائق وحماية الإرث التاريخي والطبيعي.
وكذلك تعزيز البعد البيئي وصيانة الأنظمة الإيكولوجية، من خلال تعزيز مشاريع الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة والاستفادة المثلى من وفرة الموارد الطبيعية، وحماية المناطق والمناظر الطبيعية، وحماية الأحواض الجوفية، واتخاذ التدابير اللازمة للحماية من الكوارث الطبيعية.

هدف استراتيجي
وحددت الوثيقة الهدف الاستراتيجي لسياسة التنمية المكانية الوطنية، بالاستخدام الفعال لأراضي الجمهورية العربية السورية وإمكاناتها التنموية الإقليمية المتنوعة على المدى الطويل، من خلال تعزيز التماسك الداخلي وتحقيق التوازن في التنمية الإقليمية، وذلك عبر تعزيز التكامل الوظيفي وتنظيم الأراضي، وتهيئة الظروف لنشر عوامل التنمية، وتطوير الهيكليات المكانية التي تدعم الحفاظ على البيئة الطبيعية ومناطق التراث الطبيعي والثقافي، وإرساء منظومات الإدارة المكانية، إلى جانب تحسين القدرة التنافسية، وتحسين الوصول والاتصالية بتطوير بنية النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية، والترتيب المكاني للتنمية على جميع مستويات التخطيط الوطني والإقليمي والمحلي والوظيفي أو القطاعي.
واعتمدت الوثيقة برسم موجهات خطط التنمية الإقليمية على عدة اعتبارات “طبيعية وبيئية، بشرية واجتماعية، حضرية وعمرانية، قانونية وإدارية”، وتم إسقاط هذه الاعتبارات على الأقاليم التخطيطية حسب الاعتبارات الأساسية للتنمية الإقليمية المقترحة.

حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com