أخبارصحيفة البعث

أردوغان المتخبّط

 

 

لم يكن قرار الرئيس الأمريكي سحب قوات بلاده من سورية مريحاً لرئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، وحتى البرود في العلاقة بين البلدين تحوّل سريعاً إلى حالة من السعار بعد أن حشر ترامب حليفه الرئيسي في الحرب على سورية في خانة الضياع، ووضعه تحت خيارين: إما انسحاب القوات التركية من سورية، وبالتالي فشل أحلام أردوغان العثمانية، أو المضي في طموحاته حتى النهاية، أي الدخول في حرب داخل الأراضي السورية إلى جانب التنظيمات المدرجة على لائحة الإرهاب، ما سيدفع روسيا إلى مجلس الأمن، وتحميل تركيا المسؤولية عن رعايتها للإرهاب، وما يترتب عن ذلك من قرارات أممية ليس أقلها عزل تركيا اقتصادياً، وتعزيز أزمة أردوغان المالية.
حتى الساعة يرفض أردوغان الانصياع الكامل لأوامر الولايات المتحدة، وهو ما أكده بشكل قاطع خلال الاجتماع مع مستشار الأمن القومي جون  بولتون خلال زيارته إلى تركيا التي استغرقت يومين، والذي أبلغ خلاله الأتراك بأن واشنطن تعارض أي هجوم تركي على “حلفائها” في سورية، وما كاد بولتون يغادر أرض المطار حتى خرجت أصوات تشير إلى أن المبعوث الأمريكي يقوم بتدبير “انقلاب ناعم” ضد أردوغان، لكن إذا أصرّت إدارة ترامب على مسعاها في الحصول على ضمانات لحلفائها ضد أي عمل عسكري تركي محتمل، فمن المتوقّع أن تتصاعد التوترات بين أنقرة وواشنطن.
إن مراقبة التحوّل في العلاقات بين أنقرة وواشنطن من الشراكة الاستراتيجية إلى الغرق في المساومات المتواصلة والابتزاز، يقود إلى نتيجة مفادها أن تمسّك الحكومة التركية بإمكانية التعاون مع الولايات المتحدة في سورية بات من الماضي. وحتى وقت قريب، عمل الأتراك على تنفيذ خططهم لخلق أنموذج سياسي على الأراضي التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في سورية، لكن مع قرار الانسحاب فإن جميع تلك الخطط أفشلها قرار ترامب.
ويبدو أن ترامب لا يريد إعطاء تركيا تفويضاً للقيام بعملية ضد الجماعات المسلحة الذي قامت الولايات المتحدة بتسليحها وتدريبها منذ العام 2016. ولكن، حتى في مسألة شن تركيا أي عملية عسكرية، هناك حالة مقلقة من عدم اليقين. فالحرب يمكن أن تتحوّل إلى عملية في عمق كبير داخل تركيا مع خط جبهة غير محدد، وبالتالي الحد من طموحات أردوغان السياسية.
كان من المفترض أن يفتح انسحاب القوات الأمريكية الطريق أمام القوات التركية، لكن في الوقت نفسه، يتبيّن، كما أظهرت زيارة الوفد التركي الأخيرة إلى موسكو، ضرورة تنسيق الإجراءات مع الجانب الروسي، وربما كانت هذه هي خطة ترامب لتحويل مصير شمال سورية إلى إسفين في العلاقة بين موسكو وأنقرة.
لاشك أن الإشارات الأمريكية المتضاربة تسبب الغضب لدى حلفائها الأتراك، وأن زيارة مساعد رئيس الولايات المتحدة للأمن القومي جون بولتون ورئيس لجنة رؤساء أركان القوات المسلحة الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد، إلى أنقرة، لم تبدد انزعاج القيادة التركية حول الانسحاب الأمريكي، خاصة أن الوفد أصر على ضمانات أمنية للمجموعات المسلحة التي دربتها. وهنا وجدت تركيا نفسها عند مفترق طرق: إما الالتزام بالاتفاقيات مع روسيا، أو المضي بالمغامرة العسكرية، وفي كلتا الحالتين ستكون خاسرة.
علي اليوسف