اقتصادصحيفة البعث

الحد من المخاطر الاقتصادية للتدخين بين الوقاية والعلاج؟

عبد اللطيف شعبان

قبل أيام لفت انتباهي خبر مفاده أن المدير العام لمشفى المواساة الجامعي بدمشق كشف عن خطوة هي الأولى من نوعها في المشافي السورية تتضمن افتتاح عيادة تخصصية للمساعدة في الإقلاع عن التدخين في المشفى يوم 22-6-2022، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للإقلاع عن التدخين، مع فعالية علمية حول أضرار التدخين، وطرق الإقلاع عنه، وأن العيادة ستكون بإشراف طبيبين اختصاصيين: (طبيب نفسية- طبيب أمراض صدرية) بدوام يومي، وسيتم توزيع أدوية مجانية في حال احتاج المريض لمعالجة دوائية، بالتوازي مع تكثيف حملات للوقاية من التدخين نظراً لأضراره الكبيرة على الإنسان، إذ تحتوي السجائر على  4 آلاف مادة كيماوية، منها 43 مادة مسرطنة، وأن ربع الاحتشاءات القلبية ترتبط مباشرة مع التدخين، وأن الوفاة عند المدخنين من أمراض قلبية أكثر بضعفين من غير المدخنين، ونسبة السرطانات الرئوية عند المدخنين أكثر بنحو الضعف مقارنة مع غير المدخنين، وعمر الإنسان ينقص 14 دقيقة مع كل سيجارة يدخنها، وسنوياً يتوفى 8 ملايين من البشر بسبب التدخين.

إن أغلب التأثيرات السلبية للمدخنين تقل أو تختفي بعد الإقلاع عن التدخين، والضغط الشرياني يعود لوضعه الطبيعي بعد نصف ساعة من الإقلاع عن التدخين، كما يبدأ التحسن في جهاز التنفس والدوران بعد 12 أسبوعاً، وبعد مرور سنة على إيقاف التدخين يهبط خطر الهجمات القلبية إلى النصف، وبعد 5 سنوات من الإقلاع فإن خطر الإصابة بالجلطات الدماغية يصبح متساوياً عند المدخنين وغيرهم، ناهيك عن التقليل من النفقات، ومن هذا المنطلق تم إحداث العيادة التخصصية لإرشاد المريض بموجب برنامج زمني للإقلاع عن التدخين.

الإقلاع عن التدخين موضوع مطروح منذ عقود في بلدنا، وفي جميع بلدان العالم، نظراً للمضار الصحية الكبيرة التي أثبتتها الدراسات المخبرية الطبية المجمع على صحتها فيما لا يدع مجالاً للشك، وقد اتخذت مئات الدول العديد من الإجراءات بغية الحد من التدخين.

لكن واقع الحال أثبت ضعف فاعلية تشريعات وتعليمات وإجراءات الحد من التدخين التي ترتب عنها الكثير من النفقات التي لم تثمر ولم تؤت أكلها، وعبارة ممنوع التدخين أبعد ما تكون عن الإلزام والالتزام، والمعنيون بتطبيقها هم البادئون بذلك، إذ يبدو أن التدخين عادة قهارة، فقبل سنوات حضرت ندوة مع وزير عدل اعتذر عن رغبته بالتدخين وهو على المنصة، وآخرون مثله، والمؤسف أن وسائل الإعلام والمسلسلات التلفزيونية والمناسبات الاجتماعية والوطنية تظهر الكثير من المشاهير من: (أطباء- وزراء- ذوي مناصب عليا- ممثّلين- أدباء- رجال علم- رجال دين- معلّمين ومدرّسين..) الذكور والإناث وهم يدخنون، ما يحفز الجيل الناشئ على التدخين، والعشرات الذين يمتنعون عن التدخين سنوياً، يقابلهم آلاف الداخلين الجدد.

المؤسف أن سورية من الدول التي تعتبر نسبة التدخين فيها مرتفعة، والتدخين يتطلب نفقة مالية كبيرة، فهو يستهلك جزءاً كبيراً من دخل المواطن أو الموظف، ورغم الغلاء المتصاعد للسجائر فإن تجارها بالجملة والمفرق في حالة تزايد، وأصبحت العديد من المحلات التجارية متخصصة فقط ببيع السجائر، وكذلك باعة الرصيف، والعديد من المحلات التجارية متخصصة فقط ببيع أنواع النراجيل ومستلزماتها، حتى إن مصنعي فحم النراجيل قضوا على الشجيرات الحراجية الصغيرة لهذه الغاية.

ونظراً للإجماع المثبت لمضار التدخين صحياً، وتكاليفه الكبيرة اقتصادياً، وطالما ثبت ضعف جدوى الكثير من نفقات علاج منع التدخين، أرى وجوب العمل باتجاه الوقاية، والحد من تدفق مدخنين جدد بدءاً من الأعمار الصغيرة، في حال كانت نيات الحد من التدخين صادقة فعلاً، وليكن ذلك وفق عدد من الخطوات شريطة الإعلان المبكر عنها وهي: الرقابة على الجيل منذ طفولته، والمنع الكلي للتدخين في مرحلة التعليم الأساسي الرسمي والخاص، وعدم قبول الطالب المدخن في الصف الأول الثانوي (العام أو المهني)، وفصل من يظهر لاحقاً، كذلك عدم قبول الطالب المدخن في المعاهد والجامعات، والكليات العسكرية، وفصل من يظهر لاحقاً، وعدم قبول تعيين المدخن عاملاً في الإدارات العامة، أياً تكن طرق التعيين: (مسابقة- تعاقد- عمل مؤقت)، وبالتوازي مع ذلك، العمل على عدد من الإجراءات كتكثيف البرامج الإعلامية والثقافية والأنشطة الإعلامية التي تبرز عيوب التدخين ومضاره، وتظهر الاستغراب والاستهجان والسخرية من أن يكون التدخين حالة قائمة عند الأحداث أو الإناث أو الأطباء أو الطلاب أو المعلمين أو رجال الدين أو المسنين أو ذوي الدخل المنخفض، وليكن التطبيق الفعلي للإجراءات السابقة بخصوص الحد من التدخين مدعوماً بعدم عرض صور للمدخنين من الممثًلين والأدباء والمسؤولين والمدرّسين في أية حالات، وهنا يصح القول المأثور: “درهم وقاية خير من قنطار علاج”، إذ يتأكد أن النفقات الوقائية أقل بكثير من النفقات العلاجية وأكثر جدوى.

 

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية