من وحي الإخفاق الحكومي..!
لا يمكن بأي شكل إنكار المساعي الحكومية لاحتواء ما يعتري المواطن من منغصات أثقلت كاهله، وثمة مؤشرات تدل على أنها بصورة الوضع المعيشي وما يكتنفه من وخزات، كالزيارات الميدانية لكثير من الوزراء بين الفينة والأخرى، وبالتالي فهي على الأغلب تتابع خطوة بخطوة أثر كل القرارات التي تصدرها، ومدى انعكاسها على أرض الوقع..!
إلا أن ما تلجأ إليه الحكومة من معالجات –غالباً- ما يأتي بوتيرة بطيئة، والسبب في ذلك –على ما نعتقد – يعود لعدم وجود البنية التحتية الخدمية والتشريعية المناسبة لبعض هذه الإجراءات بشكل عام من جهة، والبنية النفسية والمعاشية للمواطن –إن صح التعبير- من جهة أخرى.
وللتوضيح نبين أننا كمواطنين اعتدنا العيش ولعقود من الزمن وفق مستوى معين سواء من ناحية الأسعار، أم من ناحية نمط الخدمات المقدمة، فأي تغيير يحدث ارباكات يوحي ظاهرها بأنها تستعصي على الحل، كما حصل أيام استبدال الميكروباصات في بعض خطوط دمشق بباصات عائدة لشركات النقل الخاصة، وما جلبته من كوارث لا مجال لذكرها الآن جعلتنا نتحسر على “أيام السرافيس”، وكذلك الأمر بالنسبة لرفع مشتقات النفط وما أحدثته من تبعات ضاقت ذرعاً بالمستهلك وقتها، والتعثر بإيصالها للأخير ضمن آليات وبرامج عمل تحول دون تسربها للسوق السوداء كما هو حاصل حالياً ..إلخ.
ما سبق يبين أن ما يواجه الحكومة من تحديات تمس معيشة المواطن اليومية ليس مردّها الأزمة الحالية، ولا عدم صوابية ما تتخذه من قرارات فحسب، وإنما تراكم بعض الملفات المتشابكة التي تم تأجيلها حيناً، وترحيلها حيناً آخر من حكومة لأخرى، حتى وصلت إلى درجة يصعب التعامل معها إلا بآليات استثنائية..!
فلو أن النهج الحكومي الاستراتيجي اعتمد منذ عقود خلت – على سبيل المثال لا الحصر- على رفد قطاعنا الزراعي بصناعات تتواءم مع ما تنتجه طبيعة كل منطقة في سوريتنا، لاستعضنا عن استيراد كثير من المواد الغذائية خاصة مشتقات الألبان والعصائر، وبالتالي انعكاس ذلك على أسعارها محلياً، وكذلك الأمر بالنسبة لموضوع الطاقة البديلة الذي لم يتم التعامل معه بجدية عبر تشجيع الفلاحين على إنتاج الغاز الحيوي من مخلفات مزارعهم الحيوانية، ولاسيما إذا ما علمنا أن مخلفات بقرتين كفيل بتغذية منزل كامل بالغاز لأغراض الطبخ والتدفئة وفقاً لإحدى دراسات وزارة الزراعة، وغيرها من المواضيع والقضايا التي باتت تطرحها جهاتنا الحكومية مؤخراً عسى أن ترأب صدعاً بدا يتسع شيئاً فشيئاً خلال سنوات الأزمة.
من الآخر… لا نشك بجدية تعاطي حكومتنا مع قضايانا اليومية كمواطنين، لكن ما يؤخذ على هذا التعاطي أولاً هو أنه يأتي أحياناً ضمن سياق ردة الفعل أوقات الأزمات، وليس المبادرة أوقات الرخاء، وثانياً هناك من يعطل بعض المبادرات لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بعدم الثقة، خاصة إذا كان أصحابها من موظفي النسق الثاني أو الثالث، فحري بأصحاب القرار وضع هذا الأمر بعين الاعتبار، خاصة في وقت بتنا بأمس الحاجة للنهوض ذاتياً باقتصادنا الوطني..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com