ثقافةصحيفة البعث

عائلتي وأنا.. سقطة لا تمت للماضي بصلة

على الرغم من مرور سنوات طويلة على إنتاجه غير أني لم أتمكن من متابعته لأسباب كثيرة، إلا أن قناة لنا عرضته قبل فترة قصيرة “عائلتي وأنا”، للمخرج حاتم علي، ومن خلاله أطل فناننا الكبير دريد لحام في مسلسل امتد على ثلاثين حلقة هوب هوب عجاف، كل حلقة أثقل من الراسيات الجبال، لم أجد فيه سوى طرفتين، وقد تكون العلة في بصري وبصيرتي، الطرفة الأولى وهي المتهمة بالتهريجية، وفيها ترقد العائلة الكريمة على البيض، وأبشر هؤلاء الذين رأوا فيها تهريجاً إنها طرفة مسروقة من فيلم البداية لصلاح أبو سيف الذي يستهل فيلمه بكلمات تفيد أن فيلمه فانتازيا متخيّلة، ويتحدث الفيلم عن طائرة تسقط حوالي عشرة ركاب في صحراء فيحاول رجل أعمال(جميل راتب) استغلال هذه الكارثة، والبدء بحياة جديدة فيسيطر بمقامرة مازحة يقلبها حقيقة على بلح كل الواحة، ويعتمدها عملة لدولته الناشئة، ويستغل الجميع.

أما الطرفة الثانية فنراها عند عودة مطيع بيك إلى البيت ليفتش في الخزائن باحثاً عن محفظته فيجد الجارة الزائرة والنكتة مسروقة من فكاهة شهيرة ومتداولة عن الخيانة الزوجية.

الشيء المستغرب أن نرى فنانين كبارا وصلوا إلى هذا المستوى بعد سلسلة من الأعمال الكبيرة التي قدموها، والتي لاقت رواجاً كبيراً لا يمكن أن تمحى من ذاكرتنا أبداً، لكن السؤال الذي يمكن طرحه ما الذي جرى وتغيّر، هل حلّت مشكلاتنا التي كنا  نترنم في طرحها، ونبحث عن حلول لها، وهل انتفت التجزئة، وتخلصنا من روتين الدوائر الحكومية وبيروقراطية المكاتب، وهل انتعشت حياة المواطن العربي بشكل عام، والسوري على وجه الخصوص لكي نقحم أنفسنا في أعمال مجانية لا تبغي سوى إضحاك المشاهد بحركات بهلوانية، ومواقف تفتقر إلى أدنى درجات المنطق والإقناع، أم أغرتنا السهولة والعيش على أمجاد الماضي، لنسير على خطا مسلسلات (الـ سوبي أوبرا) الكوميدية الأمريكية التي تصور حياة أسرة في داخل المنزل، وما يحدث معها من مواقف وأحداث لا تضحك سوى المؤثر الصوتي المرافق  لكل المواقف لجمهور يضحك، هل هذه تسمى كوميديا، أم حلقات باهتة ومفتعلة لا تترك أدنى أثر عند المشاهد كما هي كوميديا المواقف الحاملة للأفكار الإيجابية التي تمرر إلى الجمهور بأسلوب خفيف ومقنع تدخل إلى أعماق المشاهد لتخرج الابتسامة من قلبه، لأنها حركت أوجاعه الداخلية، ألم يعد لدينا شيئا سوى اللعب مع الجمهور دور الكوميدي المستجدي متناسين أننا بذلك نهدم البناء الذي استغرق تشييده سنين طويلة من الجهد والمثابرة، هل هذا وقت التسلية.

في “عائلتي وأنا” ثمة أمر بالغ الأهمية يتعلق بالصدى، أقصد أن الذي شاهدناه من دريد لحام كان صدى باهتاً لكثير من الأعمال الفنية المتميزة لهذا الفنان الكبير، فهل يشفع للمرء تاريخه لكي نقبل حاضره، وإن كان شاحباً، وأعتقد أن العكس صحيح، لأن التاريخ الحافل بالانجازات يحتم على صاحبه أن يتأمل طويلاً قبل أن يقدم على عمل جديد.

لاشك أن الأمر ليس بالسهولة التي يفكر بها أي إنسان، أن تقول له اقعد واجتر تاريخك، أو استظل بأغصان الماضي، ولكن أليس أهون ألف مرة من القول، ليتني لم أرك على هذه الحال، وبقيت في ذاكرتي كما كنت أعرفك.

مهند الحسني