ثقافةصحيفة البعث

“ضد المكتبة”.. عندما تتحول إلى أثاث فاخر

 

بعد أربع روايات نالت حظها من النجاح يطالعنا الكاتب خليل صويلح بكتاب جديد بعنوان “ضد المكتبة” فأي مكتبة هو ضدها ولماذا…؟
إذا تجاوزنا الصفحات العشرين الأولى والتي يتناول فيها حكايته مع أول مكتبة خشبية قام بتفصيلها عند النجار والتي أضطر للتخلي عنها لسائق السيارة الذي استأجره لنقل أثاث منزله إلى بيت آخر كان مدخله أضيق من أن يسمح لمكتبة بالمرور من خلاله. إلى حكايته مع كتاب كارل ماركس “مالعمل” الذي اعتبر وجوده في أي مكتبة في النصف الثاني من القرن الماضي دليلا على عمق ثقافة وسعة اطلاع مقتنيه، ومن ثم إخضاعه مكتبته للجرد والفرز مرات عديدة لتخليصها من الكتب التي تسللت إليها عنوة ككتب الإهداء من كتاب خاضوا تجربة الكتابة بوهم الموهبة، وهم كثر مروا في حياتنا المهنية كإعلاميين مهتمين بالشأن الثقافي، وكتب أخرى يتفاخر كتابها بمقدمات كتبها نقاد منافقين يمتدحون عبقرية شاعرات وروائيات كتبن عن خيباتهن في الحياة، وهي كتب يصفها صاحب جائزة نجيب محفوظ للرواية بالأعشاب الضارة، ومن ضمنها يجمل كتبا تراثية لم يعد لوجودها في المكتبة، برأيه، من معنى واثر، في دعوة صريحة للتحرر من الماضي والانطلاق نحو إبداع متوالد بهوية جديدة والاكتفاء بالكتب النوعية التي تقوم بتغيير مصائرنا كما غيرت كتب مصائر كتاب كانت المفتاح والمحرض لعبقرية فذة في خلق وإبداع روائع الكتب، لننتقل بعد تلك الصفحات العشرين متجاوزين دلالات العنوان إلى استعراض ثقافي لكم كبير من الروايات العالمية والعربية والحوادث والآراء المختلفة لكتابها دون أن يغفل صاحب “وراق الحب” ترك أثره الفكري والنقدي بين سطورها، فهو هنا يسعى للتجديف باتجاه عالم أكثر مصداقية مع الذات والكتاب الذي يجب أن يكون لوجوده ضمن مكتبة ما دورا في إضفاء الشرعية على المكان لا أن يتحول إلى “إكسسوار” ضمن ديكور غرفة.
هو هنا لا يقصد العنوان بمعناه الحرفي بقدر حرصه على تفعيل دور المكتبة في حياتنا والقراءة التي نتخلف عن أغلب شعوب العالم في (معاقرتها) بالمعنى المجازي، فالشعب الياباني الذي انتظر بشوق وترقب صدور الطبعة الأولى من رواية مواطنه هاروكي موركامي “مقتل الكومانتور” ليبيع منها خلال اليومين الأولين 100 ألف نسخة، لن نجد قرينا له في بلادنا العربية حيث لا يطبع الروائي أكثر من ألفي نسخة. وحيث تصعب المقارنة ليس مع الشعوب اليابانية، وإنما حتى مع الإفريقية، ولهذا نجد صاحب “اختبار الندم” لا يخفي تأثره في هذا الكتاب، بالأدب العالمي، والأمريكي اللاتيني على وجه الخصوص، من خلال التركيز على تجارب تركت أثرها محفورا في الثقافة العالمية، دون أن يهمل أسماء عربية كان لها بصمة لا تقل أهمية عن نظرائها العالميين في رسم خارطة الثقافة العالمية، وتقديم إضافة غنية للمكتبة أمثال: طه حسين، نجيب محفوظ، وعبد الرحمن منيف، وأنسي الحاج، وسعدي يوسف، وهاني الراهب، ومحمود درويش، وغيرهم ممن عرفهم القرن الماضي أقلاما فاعلة ومؤثرة ومجددة في بلورة حالة ثقافية عربية تستحق الركون في صدر أية مكتبة.
“ضد المكتبة” كتاب هام يوثق لتجارب مؤثرة في الأدب خط بقلم صانع ماهر خبر، عن تجربة وممارسة، حرفة صناعة الثقافة والتفاعل مع أربابه، يمكنه أن يحقق إضافة للمكتبة حتى ولو كانت كما يختم بخطط ومتاهات لانهائية.
آصف إبراهيم