ثقافةصحيفة البعث

أين تكمن مشكلة تراجع الدراما التلفزيونية المحلية؟!

 

الجواب على هذا السؤال، الذي لأجله أٌقيمت العديد من المؤتمرات ، وأُزهقت كرمى خاطره ملايين كثيرة من الليرات، وعقدت على شرفه الكثير من الندوات والمناقشات وورش العمل، يمكن الجواب عنه فقط بالمقارنة مع الماضي، وإن عدنا إلى العصر الذهبي للدراما المحلية وقمنا بمقارنة سريعة لا تحتاج إلى كل ما سبق من صرف دون جدوى للأموال، ودون مزيد من حال القيل والقال، سنجد أن المشكلة تكمن ببساطة في شيئين رئيسين وعدة أشياء لاحقة، تم ذكر العديد منها في مقالات سابقة.
أما المشكلة الأولى التي ستظهر بالمقارنة وحدها دون الحاجة إلى خبراء لمعرفتها، فإنها تكمن في الحكاية، حكاية العمل، هل هي حكاية جيدة تمتلك عناصرها بداية قوية وذروة معلنة وواضحة، ثم نهاية تضع لها حدا وتعلن وبوضوح أن الحكاية انتهت، كي لا تبقى تتكاثر كالخلية السرطانية إن تُركت بلا نهاية، وعندما نحكي عن الحكاية، فلا بد أن نجيء إلى السيناريو، وكيفية جعل هذه الحكاية الجيدة، مكتوبة بشكل سليم إن كان في حوارها أو مشاهدها أو الحكايات الداعمة للحكاية الأساس، وغالبا ما يحدث التالي، في حال قام أحدهم بكتابة حكاية جيدة، وتصلح لأن تكون عملا دراميا تلفزيونيا، فإن العموم من هؤلاء، هم من يعملون على تنفيذ السيناريو، وهم غالبا بلا خبرة في هذا المجال، هذا على الأقل ما أثبتته العديد من الأعمال المحلية الفاشلة، ودعونا لا نسمي، فالأمثلة بينة، وإلا لما كنا نتحدث من الأساس، عن وجود مشكلة ومشكلة عويصة في درامانا المحلية؛ وإن كانت كتابة القصة إبداع، فتحويلها إلى سيناريو هو بدوره إبداع أيضا، لذا نرى العديد من الأعمال الدرامية المهمة محليا وعربيا، أنها تضع في “التتر” اسم كاتب القصة، واسم كاتب السيناريو، بجانب بعضهما، فالعمليتان مهمتان جدا ودونهما لا مسلسل أو فيلم أو حتى مسرحية، بالتأكيد يوجد العديد من الأعمال التي قام كاتبها بتفريغها على الورق، أي بجعلها سيناريو، ولكن ما عددها بين البقية الباقية؟ حتى أن المقارنة المئوية لا تنجح في حسم الأمر!، والذي يحدث أن أغلب كُتاب الدراما الآن، يذهبون نحو كتابة السيناريو فورا، مهملين أن تكون القصة هي التي يجب أن تُكتب أولا، وهذه القصة في حال اختيرت لتصبح عملا دراميا من قبل شركة منتجة ما، عامة كانت أم خاصة، فيجب أن يتم تطبيق شروط القصة الناجعة ومعاييرها عليها، وإن فشلت في هذا، فهي بالتأكيد لن تصلح لأن تتحول إلى سيناريو، لكن هذا لا يحدث غالبا، وإلا لما كنا في مشكلة مع عدم وجود قصة جيدة في الأعمال التي يتم إنتاجها، وهذا أيضا رأي أغلب نقاد الدراما.
المشكلة الثانية، هي في كيفية تحويل القصة المكتوبة إلى عمل مرئي؟ وهنا لا بد من المرور على بضعة مسببات تساهم في خلق المشكلة الثانية؛ لمن يذكر لم تكن حلقات المسلسلات مرتبطة برقم معين كما حدث منذ ما يقارب العقدين، فالعديد من أهم الأعمال الدرامية التلفزيونية، لم تقترن برقم يناسب جيوب شركات الإنتاج وسوق التسويق، بل ارتبطت بنهاية القصة، وهذا من التفاصيل المهمة في هذه العملية الإبداعية، تستطيع أن تصنع تلك القصة في ساعتين على شكل فيلم، أو أن تصنعها 15 حلقة كمسلسل، أما أن تقوم بمطها على ثلاثين أو 50 وربما 100 ساعة، فهذا يعني أنك تقوم بالحشو، حشو كيفما اتفق، المهم أن تطيل عمر الحكاية، ومنهم من ذهب فيها لجعلها أجزاء، وهنا نصل للب المشكلة التالية، الإخراج والأسلوب الذي سيقوم فيه المخرج بجعل الحكاية المكتوبة من لحم ودم.
في حوار مع أحد الفنانين الذي طلب عدم ذكر اسمه كي لا يُغضب عليه، فلا يعمل في مهنته التي درسها وتعلمها أصولا لا كدخيل عليها كغيره وغيرهن، أكد بأن العديد من الممثلين كانوا هم من يقومون بكتابة أدوارهم، وأنهم جاؤوا إلى التصوير أكثر من مرة، دون وجود ورق حتى، هذا عدا عن ترك المخرج لسير الأحداث ليهتم بالكاميرا وبالمناظر البديعة، والتي لا تخدم القصة، حتى لو كانت من أجمل ما تم تصويره، الغريب في الأمر أن ثمة مخرجين يعملون في أكثر من عمل في وقت واحد!، وعوض أن يكون تعبهم منصبا على عمل واحد للنهوض “بالدراما” التي لا ينكفئ “س” منهم بالحديث عن أهميتها، وهو في الحقيقة لا مشكلة لديه أن يغادر مكان التصوير، تاركا لمساعد المخرج أن يتولى المهام الجسام! هذا عداكم عن المشكلة الثانية التي أصابت (درامانا) الكاتب-المخرج، فالعديد من المخرجين، وبسبب ارتفاع الدولار ربما، لم يعد يكفيهم أن يخرجوا العمل، بل ذهبوا بما هم ليسوا أهلا له، ليكتبوا العمل نفسه، أحدهم صرح بأنه انتقى الكاست قبل حتى أن يكون لديه قصة مكتوبة!، ولتخضع القصة التي يكتبها ذاك المخرج أو غيره، لمزاجه الإخراجي! لاويا عنق الحكاية، حتى تناسب إبداعاته في الإخراج، فاسمه كمخرج أهم من اسمه ككاتب، وفشل العمل لن يعنيه، فهو يلوم الحكاية، التي قرر أن يتصدى لها، بعد أن وجد أنه ما من حكاية جيدة “تعبي راسو”.
الحكاية الجيدة والإخراج المتقن، هما ألف باء صناعة الدراما عموما ومنها التلفزيونية، وهي من تعطيها ألقها وهويتها الخاصة والبديعة-دعونا الآن من رسالة العمل فهذا شأن عويص لوحده- أما إنجاز أعمال درامية تلفزيونية، حينا بالواسطة، وحينا بلا شروط فنية من الأساس، فهذا ما لا يجب التعامي عنه أولا، وأولا أيضا، يجب العمل وبسرعة على تنبيه كل من سيتحسس “البطحة” على رأسه وهو يقرأ المقال من المشتغلين في المهنة، لأن كل حرف فيه جاء من واقع مُعاش، ومجرب، ومسموع، ومرئي، أو يمكنكم الحديث إلى ما شاء الله، عن أسباب أحد أهم صفاتها، أنها لا تمت للحقيقة بصلة، ولو كان الحديث فيها قد تم وأُنجز كما يجب، فيبدو أنه لم يكن حديثا مجديا، وإلا لكنا انتهينا من قصة تدهور الدراما، وتكلمنا في تدهور آخر لفن آخر.
تمّام علي بركات