خير الله سليم: ألوان الفرح لغة بديلة عن الحزن
ضم معرض الفنان التشكيلي خير الله سليم الذي احتضنته مؤخراً صالة جورج كامل للفنون الجميلة حصيلة أعماله خلال السنوات الأخيرة، وقد عالج في لوحاته مواضيع مختلفة قاربت مواجع الإنسان المحاصرة باليأس والخوف والعزلة ضمن سوار اجتماعي إنساني، ووفق رؤية تعبيرية جمالية حالمة بالأمل والغد، مستخدماً مجموعة من التقنيات التي تراوحت بين التصوير بالأكريليك والألوان الحوارية والفحم وفلسفة الحفر “الغرافيك”.
ومع أن الفنان سليم يعتبر أحد أولئك المشتغلين في فن الإعلان فقد تخرج من كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق قسم الإعلان ويتضح تأثير هذا الاختصاص في تجربته، إلا أنه لا يقدم ملصقاً أو بوستراً دعائياً في هذا المعرض، بل قدم عملاً تشكيلياً تعبيرياً بموضوعات محددة تتصف بالحميمية والدفء بين عناصر اللوحة ولاسيما في هذا المعرض الذي قال عنه: حاولت قدر الإمكان من خلال معرضي أن أتحدث عن الأزمة التي مرت بنا ولكن بطريقة غير مباشرة، مؤمناً بدور الفن في خلق مكافئ إبداعي للحياة القادرة على التجاوز وتخطي آثار الحروب، لأن الألوان والفرح لغة بديلة عن الحزن وأتمنى أن أكون قد ساهمت ولو بجزء بسيط في التعبير عما حصل خلال هذه الأزمة من إرهاصات وأزمات ومعاناة، مبيناً أن معرضه يضم 25 عملاً بقياسات مختلفة وقد كانت المرأة حاضرة تقريباً في كل الأعمال لأنها محور الحياة وحارسة الوجود ومرآة المجتمع، إذ رسمتها الحبيبة والأم والابنة والصديقة والبيت، وفعلاً كان لها حيز كبير في لوحاتي ولكنني لم أسلط الضوء على المرأة بحد ذاتها إنما على الانفعالات والأحاسيس التي تعبر عنها ومدى انعكاسها على المجتمع، كذلك ركزت على العائلة الصغيرة أو الرجل والكمان والوردة في مناخ من التأليف الحكائي التشكيلي الذي يحتمل التأويلات المفتوحة على أكثر من معنى لكن يبقى الأمل هو غاية اللوحة والفكرة.
فرح مأمول
وهناك غياب واضح للبهجة والفرح في لوحات سليم التي تغلب عليها سمة الحزن، وعن السبب الكامن وراء ذلك، يقول : الواقع الذي نعيشه في سورية الحبيبة له دور كبير في مسحة الحزن الموجودة في لوحاتي بالإضافة إلى الحالات الشخصية المحيطة بي، ولكنني حاولت الخروج من هذا الحزن من خلال اعتمادي على الألوان المفرحة إلى حد ما، ولذلك يمكن القول كان المسيطر هو حالة من الفرح المؤجل والمأمول، لافتاً إلى أن العمل الإبداعي يعرف عنه خاصية الغربة العميقة، فالألم المبدع ضرورة خلق مثلما هو ضرورة فرح مختلق للتجاوز نحو الحياة والفرح، مشيراً إلى أن عودته بعد غياب طويل إلى الساحة الفنية هو بسبب شيء بداخلي دفعني إلى المواظبة على ممارسة فن الرسم والعيش في المرسم الذي يمثل حياة جديدة لا تناحر فيها ولا نشرات أخبار، فهي حياة يملؤها السلام، مؤكداً على أن الأزمة كانت حافزاَ مهماً على الرسم ليتمكن خلالها من خلق حياة موازية يتوازن من خلالها الفنان.
علامة فارقة
ويرى الفنان سليم أن هناك نشاطات مهمة ساهمت في تنشيط الحركة التشكيلية السورية، كما كان في المقابل نشاطات أخرى كانت دون المستوى المرجو والمأمول منها، إلا أن المشهد التشكيلي السوري مليء بالعلامات الفنية الفارقة على المستوى العربي، فقد استطاع الفنان السوري وخلال سنوات الحرب أن يبقى مستمراً في إنتاج اللوحة والمنحوتة، كما نشَّطت وزارة الثقافة الحياة التشكيلية لإيمانها أن الفنون هي معين للجندي في معركته، منوهاً إلى دور الصالات الخاصة الفعال في تنشيط الحركة التشكيلية إذ قال: أعتبرها حالة صحية لابد منها فقد ساهمت خلال عقود في توسيع دائرة الثقافة التشكيلية وتسويق اللوحة، ورغم غلبة ذهنية التجارة على بعضها لكن غياب بعض الصالات الخاصة العريقة قد أثر على نشاط الحركة التشكيلية، إلا أن نشاط المراكز الثقافية وبعض الصالات الخاصة التي نشطت في معارضها ووسعت الدائرة لتعرض للشباب الموهوبين كان له دور بارز، كما أقيمت العديد من الملتقيات الفنية الهامة بحصيلتها وحضورها الإعلامي التشكيلي.
تفاحة واحدة
وفي وقفة مع البروشور المرافق لمعرض الفنان سليم تطالعنا هذه الكلمات: “يرسم أولئك المحاصرون بغدهم بين ثلاثة جدران وسماء تضيق بالتوقعات.. ربما تفاحة واحدة على الطاولة الفاصلة بين الصمت وسواه تجعل هذا المكان آمناً للمناجاة، يرسم خطاً متردداً، مفتقداً لبذاخة اللون، ربما يعنيه البقاء متحركاً على سطح ألفّته الكمنجات بأقواسها الرخوة، لتجعل من السعادة شيئا ممكناً وصالحاً في غياب الأصدقاء”.
لوردا فوزي