أخبارصحيفة البعث

صدّقوا أو لا تصدّقوا!.. نحن أفضل منهم..

 

د. مهدي دخل الله

صدّقوا أو لا تصدّقوا .. لكنها حقائق أرجو من لا يصدّقها أن يتأكد منها..
عندما بدأت الحرب العالمية الثانية اعتقلت بريطانيا، بضربة واحدة، 74 ألفاً من المشتبه بأنهم معارضو الحرب. اعتقلتهم السلطات الأمنية (يعني المخابرات)، وزجتهم في معسكرات الاعتقال في ظروف أقسى من معسكرات الاعتقال النازية، وذلك من دون محاكمة ولا حتى تحقيق، وكان من بين المعتقلين لوردات ونساء، على سبيل المثال لا الحصر كان من بينهم السير موسلي وزوجته، ووضعت بريطانيا قوانين قمعية: السجن شهراً لكل من يشكك في النصر بالكلام، وثلاثة أشهر إذا كان كلامه أمام أحد الجنود، أما من يمتدح ألمانيا، فعقابه السجن خمس سنوات..
وفي بداية الحرب على فرنسا قامت السلطات الأمنية بموجات اعتقال واسعة ضد كل من لا يريد الحرب، ولو كان ذلك لأسباب إنسانية وحباً في السلام، واعتقلت أمهات الجنود اللواتي تذمرن من سوق أبنائهن للحرب ورفعن شعار السلام..
أما الولايات المتحدة، فقد قامت سلطاتها بسجن (112 ألف أمريكي) فقط لأنهم من أصول يابانية، وزجتهم في معسكرات اعتقال بشعة، كما لا ننسى ممارسات القمع الماكارثية بعد انتهاء الحرب وانتصار أمريكا. ( ملاحظة: المعلومات مأخوذة من كتاب يوري موخين، لماذا تكذب كتب التاريخ – دار الطليعة الجديدة – دمشق – الصفحة 74 – 75 )..
بالمقابل: على الرغم من أن ما ذاقته سورية في الحرب الحالية من تدمير وتضحيات وشهداء أكبر بعدة أضعاف مما شاهدته بريطانيا وفرنسا وأمريكا في الحرب العالمية الثانية، إلا أن الدولة لم تتخذ أياً من هذه الإجراءات، ولم تكمم أفواه المعارضة الوطنية، بل إن بعض المعارضين غير الوطنيين مما يسمى بمجموعة الرياض (طابور الرياض الخامس) مقيمون في سورية، ويظهرون على شاشات التلفزيون من مكاتبها في دمشق، بل إنهم يسافرون إلى الرياض لسماع أوامر (العائلة السعودية)، ويعودون دون أن يمسهم أحد..
كل الدول التي خاضت الحرب العالمية الثانية أعلنت النفير العام، وشكّلت محاكم خاصة، وفرضت اقتصاد الحرب (بطاقات الاستهلاك المقنن جداً)، ومنعت مواطنيها من السفر إلى الخارج (الهروب)، وفرضت منع التجوال (الساعة الأمنية)..
الدولة السورية لم تتخذ أياً من هذه السياسات. بالعكس، غيّرت نظامها الدستوري عام 2012 فيما يعد تطوراً مهماً، وطورت قانون الأحزاب والإعلام والإدارة المحلية، وسمحت بإنشاء 12 حزباً جديداً، واستمرت تدير البلاد بحكومة مدنية (وليس حكومة حرب)، ولم تفرض حالة الطوارئ، ولم تمنع التجول حتى إنها لم تقننه، وسمحت لمواطنيها بالسفر والدخول والخروج.
وأهم من هذا كله أن الدولة استمرت في الحياة الدستورية الطبيعية، حيث تمت استحقاقات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقتها المحدد، ولم تفرض اقتصاد الحرب، كما أنها لم تفرض عقوبات رادعة على المتاجرين بقوت الناس، ولم تشهر بهم علناً (وهذا خطأ بالطبع)..
وابتدعت الدولة مفهوم المصالحات والعفو العام على الرغم من أن الحرب مازالت قائمة، لأن العفو يأتي عادة بعد الحرب، وتعاملت الدولة مع المسلحين الإرهابيين بالتي هي أحسن: سلم سلاحك وعليك الأمان، وسمحت لهم بالانتقال إلى الشمال كي يحصروا في مكان واحد بما يفجر الخلافات والقتال بينهم، على قاعدة (النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله)..
وما دمنا عند المقارنة مع الانكليز.. هل تعلمون أيها السوريون أن أجدادكم أعضاء المؤتمر السوري وضعوا عام /1920/ دستوراً ديمقراطياً (عندما لم تكن أي دولة عربية سمعت بكلمة دستور)؟.. انتقد السوريون الديمقراطية الانكليزية (دون ذكر الاسم)، حيث جاء في البيان المرفق للدستور بأن مجلس الشورى (المجلس الأعلى في البرلمان) سيكون منتخباً من الشعب السوري بينما هو في بعض الدول الأوروبية (المقصود بريطانيا) يعين تعييناً على أسس ارستقراطية (مجلس اللوردات).

mahdidakhlala@gmail.com