“استنزاف الجهود”
في آخر زيارة لها إلى مدينة حلب بكامل أعضائها قبل حوالي خمسة أشهر، وهي الزيارة الثالثة بعد مرور أكثر من عامين على تحرير حلب من الإرهاب، حددت الحكومة مرتكزات وأولويات العمل التنفيذي تمهيداً لإطلاق مشروع البناء الاستراتيجي في مرحلته الأخيرة ضمن مشروع إعادة الإعمار والبناء، حسب ما وصفه حينذاك رئيس الحكومة المهندس عماد خميس.
وكان واضحاً حرص الحكومة على توفير كل الدعم المطلوب ومستلزمات وأدوات العمل بمختلف جوانبه الخدمية والاقتصادية – بشقيه الصناعي والتجاري – بالإضافة إلى الإعلان عن تنفيذ سلسلة مشاريع جديدة ذات صبغة حيوية واستراتيجية في المدينة والريف.
ولكن ما يلاحظ على أرض الواقع هو أن عملية البناء متعثرة في كثير من مفاصلها وجوانبها، وتخطو خطوات بطيئة، لا تتناسب قطعاً مع الدعم غير المسبوق الذي حظيت به حلب، وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام الكثير من التساؤلات حول أداء بعض الجهات التنفيذية غير المتوازن والفوضوي في كثير من الأحيان، الأمر الذي ضاعف من حدة الأزمات وفاقم الصعوبات وخاصة في الجانب الخدمي والمعيشي والاقتصادي بشكل عام.
ولعلنا نتفق أو لا نتفق بأن المسألة ترتبط باتساع دوائر الفساد في بعض المفاصل، وغياب الدور الإشرافي والرقابي، وتتعلق أيضاً باستنزاف الجهود والطاقات وتوظيفها في غير مكانها وزمانها المناسبين، وهو ما يفسر حقيقة الترهل الذي عليه القطاع الخدمي تحديداً، والذي فشل بإدارة العمل والتعاطي مع الأزمات بروح المسؤولية المطلوبة، بدءاً بملف الأبنية المتصدعة والآيلة للسقوط، ومروراً بالحالة المزرية للأحياء والشوارع والأرصفة والحدائق والمرافق العامة، وانتهاء بواقع النظافة غير المرضي خاصة في وسط المدينة وفي أطرافها، ناهيك عن كارثية سوق الهال – الذي يتوسط أكبر الأحياء في حلب – وما تلحقه مخلفاته من ضرر وأذى على السلامة العامة، وعلى صحة أهالي الحي ومن تشوه حقيقي لجمالية المدينة.
ما نود التأكيد عليه أن نجاح العمل الخدمي واكتمال عناصره، من خلال تأمين مستلزمات وأدوات العمل، وتفعيل دور مجالس المدن والوحدات الإدارية والمديريات الخدمية في المدينة والريف يشكل المفتاح الذي يضمن إنجاح مشروع البناء الاستراتيجي، وخلافاً لذلك لن تستقيم الأمور، وستستمر المراوحة في المكان.
معن الغادري