اقتصادصحيفة البعث

مفارقة تستحق التعميم..!

في غمرة الحديث عن مكافحة الهدر وترشيد الاستهلاك، ولاسيما في ملف السيارات الحكومية، تبرز لدينا مفارقة تغريد أحد المديرين العامين لإحدى أهم المؤسسات ذات البعد الاقتصادي خارج السرب، ليس لجهة اكتفائه بسيارة واحدة فقط، بل لجهة نوع السيارة أيضاً..!

لقد آثر هذا المدير الاكتفاء بسيارة لا أوروبية ولا يابانية من النوع الفاخر، بل هي من تجميع سوري أقرب ما تكون شعبية، في خطوة تعد لافتة في بلادنا، حيث
إن المظاهر “البريستيج” تتغلب على جوهر العمل، وذلك ضمن سياق المتأهب لأي منصب يطمح للتشريف، ويتجاهل التكليف..!

حرضت لدينا هذه المفارقة مجدداً مسألة التعاطي الجدي مع الضغط الحقيقي للنفقات، وما يتوجب من اتخاذه لخطوات جادة تقوم على تقديم المصلحة العليا بعد ركل المظاهر التي لا ترضي غالباً إلا الغرور الشخصي..!

إن اندمال الجرح النازف من خاصرة أسطول السيارات الحكومية، يتوجب بالضرورة إعادة النظر بخارطة توزيع السيارات وخاصة الفارهة منها على المسؤولين، وما يتبع ذلك مما تستهلكه من وقود وقطع غيار تستنزف الخزينة العامة للدولة، فإذا ما أردنا التوطين الفعلي لصناعة السيارات، لما لا تعتمد السيارات المنتجة محلياً كناقل رسمي للمفاصل الحكومية الرسمية..؟!

باعتقادنا أن اعتماد السيارات المجمعة في سورية كناقل رسمي للمفاصل الحكومية، كفيل بتطوير هذه الصناعة، إذ يصبح بإمكان صاحب القرار متابعة حيثيات هذه الصناعة بشكل عملي، ويعطي ملاحظاته المباشرة عن أي خلل ينتابها، ويوجه بتلافيه، ويمكن أن يقدم مبادرات تطويرية تساعد على نمو هذه الصناعة وربما زيادة قدرتها التنافسية، فبذلك يتم ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول تحقيق وفر جيد من القطع الأجنبي المخصص لاستيراد السيارات الفارهة، والثاني تكريس صناعة السيارات في سورية..!

لا ننكر أن الحكومة -ومنذ سنوات عدة- شمرت عن أذرعها للخوض في غمار هذا الملف الذي طالما أرهق الخزينة العامة، وبالفعل اتخذت العديد من الإجراءات الرامية إلى ضبط استهلاك الوقود المخصص لأسطول السيارات الحكومية في محاولة منها للحد من الهدر وضغط النفقات إلى أكبر قدر ممكن، والبداية كانت بمخاطبتها الجهات العامة قاطبة بإدخال كل بيانات الآليات والمركبات الحكومية الموجودة لديها إلى البرنامج الإلكتروني المركزي للمركبات الحكومية، وإعلام رئاسة مجلس الوزراء بذلك تحت طائلة إيقاف تزويد الآليات غير المدخلة بالمحروقات، وضبط حركة تعبئات الوقود، إضافة إلى التنسيق بين مكتب شؤون الآليات والمركبات الحكومية وفروع شركة محروقات في المحافظات فيما يتعلق بطلبات زيادة كميات الوقود المشحونة بالبطاقات الذكية (زيادة خطة – مهمات سفر)، المحروقات السائلة، وقسائم المحروقات للجهات العامة وغيرها من الإجراءات..!

لكن ورغم ذلك لا يزال يكتنف هذا الملف العديد من التجاوزات، ليس أولها عدم التزام رؤساء مكاتب الآليات في الجهات العامة باستلام الحساب الإلكتروني لجهاز إدخال واستكمال البيانات المطلوبة، والبدء بأتمتة بيانات كافة الآليات والمركبات الحكومية العاملة لدى وزاراتهم والجهات التابعة لها ضمن الواجهة الخاصة بهم، ولا آخرها  تخصيص العديد من المفاصل بفائض من أعداد السيارات الحكومية الموضوعة لخدمتهم الشخصية..!

حسن النابلسي

hasanla@yahoo.com