تحقيقاتصحيفة البعث

في مشروع إعادة إحياء المهن التراثية الحرف التقليدية والأعمال اليدوية جزء لا يتجزأ من التراث وعمل واهتمام لتوثيقها

 

الصدف الوهاج، والموزاييك، والرسم على الزجاج، والنول، والنحاسيات، والحفر على الخشب، والبروكار، والجلديات، والأعمال اليدوية، والآلات الموسيقية المطعّمة بالصدف، والفضيات، والبرونزيات، إضافة إلى الكروشيه، والقشيبات، وتصنيع المجوهرات التقليدية، كلها عناصر من مكونات تراثنا الغني بتاريخ سورية العريق، تعكس صورة عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية السائدة على مر العصور في مجتمعنا.

التوثيق والتدوين

لا شك أن الفعاليات والمعارض التي تقام في المراكز الثقافية فتحت الباب للكثيرين للمشاركة، وإعادة إحياء المهن التراثية من خلال النماذج المعروضة، ولمديرية التراث الشعبي في وزارة الثقافة دور فعّال في إحياء التراث والحفاظ عليه من خلال مشروعات عدة، فتوقفنا بداية مع مديرة التراث الشعبي أحلام الترك، وبدأنا بالمشروع المكتوب وهو مشروع جمع وحفظ التراث الشعبي بسلسلة كتب للمساهمة في حفظ عناصر التراث الشعبي في سورية، وصونها من خلال توثيقها وتدوينها في كتب تتناول مختلف وجوه التراث في البيئات السورية المحلية، مثل الحرف التقليدية، والعادات والتقاليد، والأزياء الشعبية، واللهجات المحلية، والفنون الشعبية، إضافة إلى ما تنشره مجلة التراث الشعبي.

المهرجانات المحلية والدولية

ما تقوم به المديرية على أرض الواقع على الصعيد المحلي هو الأقوى في حفظ التراث من خلال المهرجانات التي تهدف إلى التعريف بالهوية الوطنية السورية، وتابعت الترك: تمثّل بالحرف التقليدية الأصيلة، لاسيما في دمشق، وفي مهرجانات التراث التي تقام في المحافظات، إذ يوجد معرض للحرف التي تشتهر بها كل محافظة، ويتم تكريم الحرفيين والفنانين والموسيقيين الذين استلهموا أعمالهم من التراث، كما في مهرجان السويداء وطرطوس.

وعلى الصعيد العالمي شاركت مجموعة من الحرفيين في المعرض التراثي بالهند “سورا جكوند”، وحصلت الحرف الخشبية على المركز الأول.

اهتمام اليونسكو

الأمر الهام الذي تحدث عنه بسام ريحان، صاحب مهنة الرسم والزخرفة على الزجاج والسيراميك وتنزيل المينا، هو أن أعضاء مجلس شيوخ الكار مستمرون بمهنهم، وبعشقهم اللامتناهي لها، وأكد على ضرورة نشر ثقافة المهن التراثية النادرة، وتعليمها للأبناء لدوام الحفاظ عليها، وتعليم الراغبين بها، ليتوقف عند حدث هام بتجربتهم مع اليونسكو في إقامة دورة تعليمية مع اليونسكو، وأهمية مشاركتهم بالمهرجانات التي تقيمها وزارتا السياحة والثقافة.

الخزف والمرايا

اتسمت تجربة الفنانة سناء فريد بالخزفيات، ودمجها مع مواد أخرى بالتطوير بفن فسيفساء الموزاييك والخزف على خلفية الخشب، مستمدة من الطبيعة أشكالاً جميلة، وقد جسدت أجزاء من حارات دمشق القديمة، واشتغلت بتقنية جزء من كل وفق أسلوب التقطيع للموزاييك، ومزجت بين الخزف والمرايا.

كراسي القش والقشيبات

مازالت حرفة تصنيع كراسي القش مستمرة، وكما يقول هشام المالح فإن العمل على تطوير المهنة مستمر، فكرسي القش مازال قريباً من الناس، ومطلوباً للزينة كإحدى مفردات التراث، ويتم العمل على تطوير المهنة ذات الصناعة اليدوية، واستمرارها بتصنيع كراس للحدائق، وأطقم كاملة، وهي مطلوبة في المنازل الريفية.

وتلتقي كراسي القش مع حرفة القشيبات، والعمل على استمرارها وتطورها من خلال المعارض، وعمل العاملات، والعاملين بها على تصنيع أشكال مكتبية منها، وتزيينية، وإدخال مكونات جديدة إليها، كما في تجربة منى أبو الخير التي وجدت لنفسها مساحة في المعارض لعرض منتجاتها الجديدة، مبيّنة خطوات صناعتها منذ التشكيل الأول لحبال القش.

العجمي والزجاج

يحظى فن العجمي باهتمام بعض الفنانين المحافظين عليه مثل الفنانة عالية النعيمي التي تعيد من خلال أعمالها الحنين إلى الماضي، إلى البيوت الدمشقية بالزخرفيات المذهّبة، والخط العربي المستمد من آيات القرآن الكريم، كما طوّرت ميسون كركوكلي من صناعة الرسم على الزجاج، إضافة إلى خليط الألوان، ورسم النباتات والورود بإدخال الخط العربي بأنواعه.

الإقبال على الكروشيه

نتيجة مساعدة وزارة الثقافة للشباب والشابات لتنمية مواهبهم بالأعمال اليدوية، والكروشيه، والنول بمشاركتهم بالمعارض المتنوعة واليدوية، ومن خلال تفاعل جهات من المجتمع الأهلي مع الأعمال اليدوية، فإنها انتشرت بكثرة وتطورت، لاسيما أعمال الكروشيه، كتجربة آزاد زعيتر في صناعة نماذج مختلفة من  الخيطان الصوفية والقطنية لثياب الأطفال، و”الجواكيت”، والقفازات، والألشينات، وتوسعت بأغطية الوسائد، وتوقفت عند فكرة هامة وهي الإقبال على تعلّم فنون الكروشيه من قبل الشابات وربات البيوت من خلال الدورات التعليمية، والتعليم الخاص.

توظيف الأحجار

تتقاطع صناعة الكروشيه التي تعد جزءاً من الصناعات اليدوية التقليدية الموروثة من التراث مع صناعة المجوهرات التقليدية بتوظيف الأحجار القديمة بصناعة الاكسسوارات، والملفت ما ذكرته رانيا قباقيبي من أن العودة إلى القديم هي السائد الآن، وتتابع بأنها تقوم بتصنيع أشكال من الزينة من الأحجار مثل أحجار الطاقة، وحجر سن الفيل، والكريستال، وضوء القمر، وتترات الماس الاصطناعي، ومن خلال المعارض المقامة نرى إقبالاً من الزائرين.

 

التوثيق الموسيقي والغنائي

تعمل وزارة الثقافة والجهات الأهلية في بعض الفعاليات على تعزيز وجود التراث الغنائي والموسيقي كما في مهرجان الملحنين الذي أقيم في الاوبرا، وضمن فعاليات بالملتقيات والمراكز الثقافية من خلال إحياء الأهازيج الشعبية التي تعد جزءاً من التراث المحكي، فتدخل ضمن مفرداتها مفردات شعبية، وبعض الأمثال، وتبقى العراضة الشامية هي الأكثر تأثيراً ووقعاً بالناس، وكانت حاضرة بفعاليات متعددة: بجهور- أبو العز اللبني، وغيره.

التوثيق المحكي

ويرى الشاعر الغنائي عبد الرحمن الحلبي الذي يكتب أغنيات تتداخل في مواضع منها بالتراث الشعبي المحكي: “وقعة وقعنا بها لجورة حمرة وخضرة البندورة، هاتو طبل وزامورة لنسمع ياللي قاعدين، لنسمع لمين يسمع هادا طري هالنعنع”، إذ إن للبيئة دوراً أساسياً في تكوين التراث الغنائي الدمشقي الذي توارثه الأجداد، وتوقف عند تاريخ مصطفى هلال الذي جمع أكبر عدد من هذا الإرث، فكان يزور بيوتات دمشق، ويلتقي مع كبار السن، ويدوّن محفوظاتهم شفاهاً، وما يحفظونه من أغان توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، مثل: “يلي عليك كتر الدلال- يا حلوة نزلي- بالي معك- يالله  سوا يا حبي نسهر- تعي عالفي- والأغنية الشهيرة يا قضامة مغبرة”، والأمر اللافت أننا نجد في هذه الأغاني ركاكة بالمعاني، وكسراً بالوزن في مواضع متعددة نتيجة الأخطاء المتوارثة والمدونة.

ولفت إلى العمل بجهود جمعية إحياء وحماية وتوثيق التراث الشعبي لإحياء التراث مثل رقصة ستي لعمر نقشبندي التي مازالت مطلوبة وحاضرة في حفلات الأعراس الدمشقية.

التوثيق التشكيلي

لم يقتصر الحفاظ على التراث الشعبي الاجتماعي على الجانب الموسيقي والغنائي والمحكي، إذ يقوم الكثير من التشكيليين بدمج مكونات التراث في لوحاتهم، وتوظيفها ضمن هياكل اللوحة، لاسيما المرأة مثل الفنان ناجي عبيد، وغيره، والفنان التشكيلي محمد نذير بارودي الذي وثّق بلوحاته حارات دمشق القديمة بمهنها الموجودة في الزمن الجميل لبائع العرق سوس، وبائع الفول، والتماري، وبائعي الخضار، إلى آخرين، وجسّد العربات التي تقل الباكوات، كما وثّق العادات الاجتماعية، والزي التراثي، ليلتقي مع الشاعر الغنائي الحلبي، فيقول: “من واجب الفنان توثيق الجانب الاجتماعي في تاريخ دمشق المعاصر، ومن خلال لوحاتي وثّقت الكثير من الفنون مثل سهرات الطرب والعزف على العود، والمقهى الشامي، وجلسات الحكواتي، والزيّ الشامي لشرائح مختلفة، وأدخلت من خلال عناصر اللوحة الكثير من معالم عمارة الحارة، وحركة المارة فيها، والمهن المتداولة آنذاك.

تبقى هذه الحرف التقليدية والأعمال اليدوية جزءاً لا يتجزأ من التراث السوري على مدى الجغرافيا السورية، ودعم المؤسسات، والوزارات، وجهات المجتمع الأهلي، والأفراد، هو واجب وطني.

ملده شويكاني