جيل جديد في الإدارات لا ينوي “العيش في جلباب أبيه””السيرة الهلالية” لتحول الشركات العائلية… هل تفعلها هذه المرة مستفيدة من إعادة الإعمار؟
النمط العائلي هو النمط الأكثر انتشاراً بين الشركات المحلية، وربما العربية أيضاً، حتى باتت الشركات العائلية صفة ملازمة للاقتصاد الوطني، وفي الوقت الذي يراهن فيه البعض على قوة هذه الشركات وإمكانية استمراريتها، يرى البعض الآخر أنها محكومة بالتفكك والانحلال، أو تحويل شكلها القانوني إلى الشكل المساهم، كخيار وحيد تستطيع من خلاله مواكبة التغيرات المستمرة وتحرير الاقتصاد، ما يساعدها على النمو ويعزز قدراتها أمام المنافسين.
وإذا أخذنا بالحسبان أن أغلب شركاتنا المؤثرة رأت النور خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الفائت، فإننا أمام ثلاثة أجيال تعاقبوا على ملكيتها وإدارتها (المؤسس، الابن، الحفيد)، وبالتالي أمام ثلاثة أنماط من التفكير والإدارة، ويتقاطع مع هذه الأجيال خروج أو تخارج حصص (الأخت والابنة)، ما يهدد، أو على الأقل يحد، من فرص بقاء هذه الشركات مستقبلاً، وتشير بعض الدراسات التقريبية إلى أن 80% من الشركات العائلية لا تستمر إلى الجيل الثاني أو الثالث، حيث تتقاذفها الأهواء، كما المصالح، وإن سلمت منهما، فلن تسلم من تحديات المنافسة الشرسة في عالم يشهد مزيداً من التوسع والانفتاح كل يوم.
القصة.. كيف بدأت؟
أرادت الحكومة إدماج الشركات العائلية في الاقتصاد الوطني، وزيادة فاعليتها وضمان ديمومتها، بعد أن تؤول ملكية وإدارة هذه الشركات إلى الجيل الثالث، فصدر المرسوم التشريعي رقم /61/ لعام 2007، الذي سمح بإعادة تقويم الأصول المادية (الملموسة) والمعنوية (غير الملموسة) لهذه الشركات، تمهيداً لتحول من يرغب منها من الشكل العائلي إلى الشكل المساهم أو أي شكل قانوني آخر، وذلك في مسعى حكومي لتشجيع هذه الشركات على التحول، أولاً عبر السماح بإعادة تقييم الأصول المادية لهذه الشركات، ثم عبر تعديل التعليمات التنفيذية واحتساب الأصول المعنوية، أي العلامات التجارية وشهرة المحل وبراءات الاختراع.
في مدرسة التحول لم يتحول أحد.. بالرغم من فترات سماح وحوافز قدمها المرسوم.. ثمة عديد من الآراء التي رُصدت في الأسباب الكامنة وراء عزوف القائمين على هذه الشركات بالتحول المأمول، وأغلبها كان من قبيل: التخوف والإخافة من خروج الدفاتر المحاسبية لهذه الشركات إلى النور، لا بل أكثر من هذا توحيد هذه الدفاتر في واحد، تتمكن من خلاله الدوائر المالية من الوقوف بدقة على أعمال هذه الشركات، أيضاً هناك الرغبة الجامحة بالتمسك بالإدارة، وعدم قبول شركاء جدد، والحرص على الاسم التجاري للعائلة والسمعة التي بنتها عبر عقود، وما إلى ذلك..!
مسودة على نار هادئة..
حالياً تعكف هيئة الأوراق والأسواق المالية – وبتكليف من الحكومة – على إعداد دراسة (مسودة) لتعديل القانون 61، بعد استشراف آراء الجهات ذات الصلة، حسبما بينه لـ”البعث” رئيس مجلس مفوض الهيئة الدكتور عابد فضلية، الذي أكد تفاعل الكثير من هذه الجهات مع الأفكار المتعلقة بالتعديل، حيث تلقت الهيئة ردوداً مختلفة، منها رد اتحاد غرف الصناعة، وتركزت بالدرجة الأولى على نسب وعدد سني الإعفاء الضريبي والمزايا، التي يمكن أن تحصل عليها هذه الشركات من جراء تحويل شكلها القانوني.
ولفت فضلية إلى أن الهيئة ستجمع هذه الردود وتدرسها، وترفعها إلى وزارة المالية، ومن ثم إلى الحكومة للإصدار، مشيراً إلى أن مواد المرسوم البديل تتضمن مزايا تشجيعية لأصحاب الشركات العائلية تسهل تداول الأسهم في حال تحولها لشركات مساهمة عامة مدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية، وإلى اهتمام الحكومة بدور الشركات المساهمة لتغطية مشاريع إعادة الإعمار، ولاسيما أن الشركات المساهمة تجمع المدخرات وتحركها باتجاه مشاريع أكثر جدوى، وتخفف الطلب على الإقراض من المصارف العامة، مع ضرورة منح مزايا تفضيلية للشركات المساهمة العامة الصناعية والزراعية والتعليمية والتنموية بعد تأسيسها، مع منح إعفاءات ضريبية للسنوات الثلاث الأولى بعد التأسيس، وتخفيضات ضريبية للسنوات الثلاث التالية، وهنا تبرز أهمية إحداث صناديق أو محافظ استثمارية تستثمر في مشاريع تنموية صناعية وزراعية، وبنى تحتية ونقل تديرها شركات مساهمة خاصة وعامة.
المساهمة.. لماذا؟
إن اتساع مظلة وحصة الشركات المساهمة العامة يعد حالة صحية؛ كونها تلعب دوراً محورياً في النشاط الاقتصادي، نظراً لما تتميز به من إمكانات كبيرة، سواء من حيث رساميلها والمستثمرون في أسهمها، أم من حيث الطبيعة المؤسساتية المحوكمة لإدارتها وتطبيقها لمعايير المحاسبة الدولية، ما يعني التزامها بالشفافية والإفصاح.
وتسهم هذه الشركات في جذب وتوظيف الأموال والمدخرات والمكتنزات العائلية والشخصية المتوسطة والصغيرة والعقيمة، وتشغيلها من خلال طرح جزء من أسهم الشركة على الجمهور للاكتتاب عليها (شرائها)؛ ما يسهم في تنمية الوعي الادخاري والاستثماري، وإعادة توزيع الدخل القومي ليصبح أكثر عدالة، وذلك بحصول شريحة عريضة من الناس على جزء من عوائد المشاريع عبر أرباح سنوية أو نصف سنوية، كعائدات على الأسهم التي تمتلكها، كما تتميز هذه الشركات من غيرها بقدرتها على الحصول على التمويل اللازم، من دون تحمل أعباء الفوائد، وذلك من خلال تدوير أرباحها أو زيادة رأسمالها بطرح المزيد من الأسهم على الاكتتاب.
محركة للبورصة..
يدعو المدير التنفيذي لسوق دمشق الدكتور عبد الرزاق قاسم إلى ضرورة الخروج من نمط الشركات العائلية والمشروع الفردي، مشيراً إلى عدم نجاح قانون تحويل الشركات الفردية والعائلية إلى شركات مساهمة، حيث إن هناك معوقات كبيرة أمام هذا التحول، لافتاً إلى إمكانية إيجاد تشريع في السوق يستهدف الشركات التي تؤسس خلال مرحلة إعادة الإعمار، خاصة في قطاع التشييد، حيث اتفقت المؤسسة العامة للإسكان ونقابة المهندسين وبعض رجال الأعمال على إقامة شركة تطوير عقاري.
وبالنظر إلى طبيعة الاقتصاد السوري وبيئة الأعمال فيه، نجد أنه أمام تحديات وفرص جوهرية، تجعل من الضروري الاهتمام بهذا النوع من الشركات؛ لما لها من دور في توفير المزيد من الفرص الاستثمارية وتنويعها، إضافة إلى إسهامها الكبير في إيجاد فرص العمل، إضافة لأهميتها في تفعيل البورصة؛ ما يسهم بشكل مباشر في تنمية العائدات وتشجيع الاستثمار.
مؤشرات..
لا تتوافر أرقام ومؤشرات دقيقة عن عدد الشركات العائلية المستهدفة بالتحول إلى مساهمة، بيد أن عددها كبير جداً، في حين يوجد في البلاد 52 شركة مساهمة، 26 منها مدرجة في سوق دمشق، وملتزمة بتقديم إفصاحاتها إلى هيئة الأوراق بنسبة 100 بالمئة، فيما بقية الشركات ملتزمة على نحو أقل، وصنفت مديرية الشركات في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك – العام الفائت – الشركات وفقاً لرأسمالها وبصرف النظر عن أشكالها القانونية (تضامن، توصية، محدودة المسؤولية، مساهمة مغفلة) إلى أربع فئات: الأولى أقل من 50 مليون ليرة سورية، والثانية بين 50 – 100 مليون، والثالثة 100 مليون- مليار، والرابعة أكثر من مليار ليرة.
إضاءة..
يقصد بالشركات العائلية تلك الشركات التي تملكها وتديرها عائلة تسيطر فيها على نسبة كبيرة من الأصوات، مع التركيز على أهمية القرارات الاستراتيجية في الشركة ومن يتخذها، ولا يوجد لهذا النوع من الشركات تصنيف ضمن الأشكال القانونية للشركات في سورية؛ لذا فإن تصنيفها القانوني ينحصر في كونها إما ذات مسؤولية محدودة أو تضامنية أو توصية بسيطة أو توصية بالأسهم أو فردية.
وتشكل هذه الشركات النسبة الكبرى من إجمالي الشركات حول العالم. ففي دول الاتحاد الأوروبي تراوح نسبة الشركات العائلية ما بين 70 – 95% من إجمالي الشركات، وتسهم هذه الشركات بما نسبته 70% من الناتج القومي، وفي الولايات المتحدة يبلغ عدد الشركات العائلية حوالى 20 مليوناً، تمثل 49% من الناتج القومي، وتوظف 59% من العمالة، وتستحدث حوالى 78% من فرص العمل الجديدة.
وتمتاز الشركات العائلية عموماً بارتفاع معدلات التقييم وهوامش الربح ونمو المبيعات ومعدلات نمو الأصول ومعدلات العائد على رأس المال، وتعد مشكلة تعاقب الأجيال أبرز التحديات التي تواجهها هذه الشركات، حيث تؤكد دراسة حديثة أن 45% فقط من الجيل الأول في الشركات الأمريكية ينجح في إعداد وتهيئة من يخلفه من الجيل الثاني، كما أكدت أن العمر التقريبي للشركات العائلية هو نحو 24 عاماً.
أحمد العمار