الأفلام الاحترافية في النادي السينمائي بين الأمل والحرب
لم تكن الحرب بأبعادها القاسم المشترك فقط، بين الأفلام الأربعة الاحترافية –إنتاج المؤسسة العامة للسينما-والتي عُرضت في النادي السينمائي الذي تقيمه مؤسسة أحفاد عشتار بالتعاون مع وزارة الثقافة في المركز الثقافي العربي-أبو رمانة- وإنما الأمل الخفي الذي لمسناه بدلالات ورموز توحي بأنه الحل الوحيد للخلاص ضمن أساليب فنية متباينة وتقنيات اختلفت مستوياتها، كانت موضع نقاش حافل بالأفكار للمضامين والصورة، إلا أن النهايات كانت موضع جدل وتساؤلات تصدى لها المخرج أيهم عرسان والممثل حمادة سليم.
الاسترجاع والسردية
ومن متابعة الأفلام تتضح الفروقات الفردية بين رؤية المخرجين، وقد حظي فيلم”كبسة زر” بانتباه جمهور النادي منذ اللحظات الأولى من خلال التقاطع بين شخصيتين يتكرر لقاؤهما، ويبقى التساؤل ما وجه العلاقة بينهما لينجح المخرج أيهم عرسان بفكّ اللغز بالتسلسل وبالانتقالات المشهدية بأسلوب شائق، رنا شميس بثيابها السوداء تصطدم بالطريق بسيارتها-بالشاب علاء-الممثل مصطفى سعد الدين- يتكرر اللقاء عند الشجرة قرب المدرسة، ليعود عرسان في باحة المدرسة إلى تقنية استرجاع الأحداث، أم وائل فقدت ابنها الوحيد في انفجار قذيفة طالت مدرسة الأطفال فاستشهد، وعلاء يتردد إلى المشفى لزيارة شام التي دخلت بغيبوبة، وبقي اللغز الذي يربط بين الشخوص محيراً، إلى أن تطلب أم وائل لقاء المعلمة شام التي تضع عليها اللوم باستشهاد ابنها، وتكشف مشاهد سرد الحادثة من قبل علاء لأم وائل عن حماية شام الأطفال بدخولهم إلى الصف إلا أن وائل يركض ليحضر الكرة فتهرع لإنقاذه شام لحظة سقوط القذيفة.
لكن الأحداث لا تنتهي هنا، إذ عمد عرسان من خلال الحوار بين علاء وأم وائل إلى التركيز على المكان – باحة المدرسة- موقع الحدث ليكون أيضاً منطلقاً جديداً لحظة رن الجرس.
ويبقى عنوان الفيلم الذي تكرر مرات عدة بالحوار” كبسة زر” إيماءة إلى الحرب التي خطفت الكثيرين بلحظة، وهي ذاتها التي فجرت الأمل بكبسة زر أيضاً.
التقليدية والرمزية
ووجد المشاهدون في فيلم”غربة” مسارين مضيا معاً بين الحب والحرب، إذ وضعت المخرجة ندين تحسين بيك المشاهدين منذ اللحظة الأولى عند ذروة الحدث برسم الممثل يزن خليل طائرة، لتكون اللوحة موضع خلاف مع حبيبته لينا- الممثلة حلا رجب، التي تحضّر لحفلة عيد الميلاد، إشارة إلى هجرة الشباب اعتقاداً منهم بأنها الحل والطريق لإيجاد حياة أفضل، ورغم اعتماد المخرجة على تقليدية الصورة في المشاهد العاطفية من حيث تمرير الكاميرا على الشموع الحمراء والإضاءة الخافتة والتركيز على الموسيقا الرومانسية، إلا أنها لم تغفل الرموز في البندقية الصغيرة التي يوجهها الطفل- شادي جوان- على الحمامات، ونغمات العود التي تتخلل الفيلم بصوت خفي في إشارة إلى تراثنا وهويتنا وثقافتنا، لتلتقي مع حارات دمشق القديمة وسماء دمشق، الخط الفاصل والمنعطف كان بالحدث المباغت الذي يغيّر من قناعات الشخوص، فلحظة سقوط القذيفة واستشهاد العم الذي يرعى الحمامات_ الفنان جرجس جبارة- تهرع لينا للاطمئنان عن حبيبها الذي يترك حقيبة السفر ويتمسك بقبعة العم، وينتهي الفيلم بصوت حسام تحسين بيك”يادارنا كانت عامرة وخضرة” وقد ركزت المخرجة في الحوار على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشباب في ظل انعدام الأمان الذي يمثل الركيزة الأولى للحياة.
الأداء الصامت
وجاء فيلم” يوم من 365 يوم” إخراج أوس محمد بمباشرة فنية عن الحرب من خلال الصورة التي ترصد منطقة مدمرة خطرة، وتمر الكاميرا على المحال المقفلة والبيوت المهدمة وبقايا ألعاب الأطفال وصورهم ودفاترهم، ليحمل رسالة البقاء والصمود والتحدي من خلال توصيف الصورة الصامتة إلا من صوت رصاص القناص، اعتمد المخرج على أداء الشابة الصغيرة- شهد عباس- التي تحمل”وعاء الماء” وتريد الوصول إلى الصهريج في المنطقة الآمنة لتحضر الماء وتتعرض لمخاطر، إلا أنها تتمكن بمساعدة الشاب سائق الصهريج من الحصول على الماء، لكن المفارقة في وصول الرصاصة إلى الوعاء وتسرب المياه على طول الطريق، لتصل بقليل من الماء إلى والدتها المقعدة.
بين الافتراضي والواقعي
الفيلم المختلف من حيث الصورة والطرح كان فيلم”تاتش” للمخرج يزن أنزور والذي ينتمي إلى الفانتازيا السينمائية باستخدامه أبعاداً مختلفة للقطات بالتقريب والتبعيد، وشد المشاهد إلى عوالم افتراضية مركزاً على تماوج الصورة بين الأبيض والأسود والملون، وعلى الأقنعة التي يضعها الناس في لجوئهم إلى وسائل التواصل الاجتماعي لإخفاء الحقيقة، مركزاً على حالة الاختناق من هذا العالم الافتراضي بكسر المرآة ووصول البطل- حمادة سليم- إلى مرحلة الاختناق بحوض الاستحمام ليتمكن من إنقاذ نفسه في اللحظة الأخيرة. والمنعطف بالفيلم هو الصحوة بالعودة إلى ملامسة الأصابع والإحساس الحقيقي بالآخر.
وبعد العرض دارت نقاشات كثيرة اشترك فيها الجمهور مع بعضهم وبمداخلات خاصة ومع المخرج أيهم عرسان، تركزت أغلبها حول النهايات، فنهاية شام بدخولها الغيبوبة في فيلم غربة مع نقاط السيروم التي بدت بطيئة كانت موضع رفض كثيرين منهم الأديب أيمن الحسن، ورأى الناقد أحمد هلال أن نهاية فيلم كبسة زر تقليدية وأضعفت الفيلم، وتساءل لماذا الأغنية بفيلم غربة بصوت حسام تحسين بيك وليس بصوت جبارة. وبعض الحاضرين علقوا على نهاية يوم من 365يوم بأنها باهتة، وركز آخرون على معنى ملامسة الأصابع في تاتش.
ورد المخرج أيهم عرسان على نهاية شام في كبسة زر بأن الفيلم صوّر في عام 2016 في اشتداد الحرب، وشام رمز إلى سورية التي صمدت وقاومت الموت معتمداً على رمزية قطرات السيروم، وعن استمرار الفيلم بعد رن الجرس بمشهد عاطفي بين أم وائل وزوجها فمن وجهة نظر عرسان أن هذا المشهد لم يضعف الفيلم وإنما هو دلالة على استمرار الحياة. وعقب أيضاً على نهاية فيلم يوم من 365يوم بأنها تحمل الأمل والتفاؤل بغد أفضل.
الممثل حمادة سليم أوضح بأن فيلم تاتش موجه ويحمل رسالة للابتعاد عن العالم الافتراضي الذي حلّ عوضاً عن التقارب الأسري والعلاقات الإنسانية، مفسراً أبعاد الصورة البصرية التي تجمع بين مكونات عدة ضمن تكنيك عال جداً وتقاطعات بالخطوط الدرامية.
ملده شويكاني