الجــــولان والحـــــــرب الخفيــــة على ســـــــــورية
الزعيم العالمي المفترض يفقد خصومه وحلفاءه على حدّ سواء من خلال ازدواجيته وسياسته الرعناء، والجولان ستكون مسماراً آخر في نعش احترام واشنطن لذاتها حتى بين حلفائها المفترضين.
ترجمة: لمى عجاج
عن موقع استراتيجيك كالتشر 29/3/2019
غرقت الولايات المتحدة الأمريكية في سيلٍ من الانتقادات في خضم أسبوع صعب مرّ مثقل بالذم والنقد لسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي نصّب نفسه زعيماً للعالم الحر.
فقد حمل له هذا الأسبوع الكثير من الصفقات، وخاصة بعد أن انزاح الستار عن الفصل الأخير في العرض المسرحي السخيف والمتعلق بفضيحة
“روسيا غيت”، تلاها الضربات الجوية المتزامنة التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في وقت واحد على أفغانستان والصومال واليمن والتي أدّت الى قتل الكثير من المدنيين، ثم أعقب ذلك الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الأزمة الإنسانية التي فرضتها السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية على فنزويلا، وأخيراً توّج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع باعترافه غير الشرعي بضمّ مرتفعات الجولان إلى إسرائيل، والذي اعتبرته وجهة النظر الأمريكية المشوّهة شرعياً على الرغم من اعتراف الجميع بعدم شرعيته، فهل يستطيع العقل الواعي أن يستوعب كل هذا الحمق والجنون؟!.
لقد أثبتت السياسة الغبية والمتهورة للولايات المتحدة الأمريكية أن قلب الحقائق وتزييفها أمرٌ في غاية البساطة، وهذا ما أكدت عليه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخروفا عندما شبّهت الولايات المتحدة الأمريكية “براعي البقر الذي يُطلق النار في متحف اللوفر” بسبب سياساتها الخارجية الازدواجية والمتسرعة. وإن نظرة فاحصة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية سترينا المستوى المتدني الذي وصلت إليه من الجنون والتهور والانحطاط إلى مستوى المافيات، فسياستها أشبه ما تكون بالقطار الذي أصابه عطلٌ في محركه فأصبح يشكل خطراً على حياة ركابه، فهل باستطاعتنا أن نعتبر أن جنونها عبقرية شيطانية كجنون “ميفستوفيليس” في الرواية الشهيرة “دكتور فاوست”.
يبدو أنه من السهل على واشنطن أن تلعب دور المهرج في السيرك الهزلي الذي يديره رجل العقارات ونجم التلفزيون السابق والملياردير (الجوكر) دونالد جون ترامب. لقد كان اعتراف دونالد ترامب بأن مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل باتت تحت السيادة الإسرائيلية بمثابة تآمر واضح وخرق صريح للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ففي السادس من تشرين الأول عام 1973 احتلت إسرائيل عنوة الأجزاء الجنوبية من الأراضي السورية، وقد استولت إسرائيل على هضبة الجولان الاستراتيجية فعلياً عام 1981 بموجب قانون إسرائيلي اعتبره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لاغياً وباطلاً، وقد صوّتت الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت على عدم شرعية هذا القانون، وعلى هذا الأساس فإن اعتراف ترامب لإسرائيل بضمّ الجولان هو بمثابة تحدٍّ وقح للقانون الدولي، وبمثابة إعطاء ضوء أخضر للعدوان الإسرائيلي السافر على الأراضي السورية، فهل يمكننا بعد كل هذا أن نأخذ الأقوال والأفعال التي تصدر عن هذا المعتوه على محمل الجد؟! وماذا عن فنزويلا وأوكرانيا؟!.
لقد نسف هذا الاعتراف ادعاءات الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم الحر، وضرب بعرض الحائط مزاعمها حول حماية القانون الدولي، فقد انتقدت واشنطن على مدار السنوات الخمس الماضية ضمّ روسيا لجزيرة القرم، على الرغم من كونها في الأصل من الأراضي الروسية، فما الذي دعا ترامب إلى تغيير موقفه والاعتراف بسرقة إسرائيل للأراضي السورية؟!.
إن الدافع الحقيقي من وراء انتهاك ترامب المهين للقانون الدولي هو منح صديقه المقرّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدعم الانتخابي الذي يحتاج إليه في هذا الوقت، وذلك قبيل الانتخابات الإسرائيلية المقرّر عقدها في 9 نيسان الجاري. ولكن لا يزال الدافع الاستراتيجي الأهم هو إبقاء الشرق الأوسط وسورية على وجه الخصوص في حالة اضطراب دائم، والاعتراف بضمّ الجولان سوف يعزّز من التحرك الإسرائيلي– الأمريكي الهادف إلى تحقيق سيطرة أوسع على المنطقة العربية، وهي النقطة التي أشار إليها مبعوث سورية الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، وأراد أن يوصلها إلى المجتمع الدولي في اجتماع مجلس الأمن عندما قال: “إن ضمّ الجولان الذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية هو جزء من الحرب الخفيّة التي تستهدف بلاده، وإن هذه الخطوة هي وسيلة لإبقاء سورية والمنطقة في حالة من الاضطراب”.