دراساتصحيفة البعث

من أجل نظام أكثر عدالة

عناية ناصر
لا تزال التعددية القطبية والعولمة هما الاتجاه الأوسع في جميع أنحاء العالم، وباعتبارها قوى رئيسية لابد للصين وروسيا والهند من تعزيز آلية التعاون بينها، وتعميقها وتوضيح أولويات كلّ منها في المراحل المختلفة لمواجهة دور الولايات المتحدة. وكما قال الزعيم الصيني الراحل دينغ شياو بينغ: “قرن آسيا” لن يتحقّق دون التطوير والتعاون بين الصين والهند.
تعاونت الصين وروسيا والهند بشكل جيد في الأمم المتحدة وفي منتديات ومناسبات مختلفة في التسعينيات لمواجهة الأفعال والمؤامرات التي قام بها الغرب ضدها بقيادة الولايات المتحدة. وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، تطور التعاون بين الصين وروسيا والهند بسرعة مع إنشاء آليات تعاون متعددة، بما في ذلك “البريكس”، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومجموعة العشرين.
ومنذ ذلك الوقت ضعُفت قوة الغرب إلى حدّ كبير، وتسارعت إعادة تشكيل النظام العالمي، وحينها أدركت الصين والهند وروسيا، باعتبارها أكبر ثلاثة اقتصاديات ناشئة، الحاجة إلى تحسين العلاقات بينها، ليس فقط من أجل تعزيز مصالح كلّ منها، بل وأيضاً من أجل حماية الأمن والمصالح الإقليمية.
كانت الولايات المتحدة العامل المشترك في تعميق التعاون بين الصين وروسيا والهند، لكن على المدى الطويل لن تسمح واشنطن لنيودلهي بشكل خاص بتحدي المصالح الأمريكية، على الرغم من أنها كانت تعمل في الآونة الأخيرة على نحو متزايد للتودّد للهند.
كان التناقض بين الأقطاب المتعددة والعالم أحادي القطب، الذي يتجلّى على أنه التناقض بين القوى الناشئة والولايات المتحدة، -عموماً- هو التناقض الأساسي في العالم، وكانت تُعطى الأولوية للعلاقات مع الولايات المتحدة باعتبارها القضية الأساسية في الاستراتيجيات الدبلوماسية للبلدان الثلاثة التي تأمل في تعزيز علاقات مستقرة وصحية مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، لا تستطيع أي دولة من الدول الثلاث تعليق آمالها على حسن نوايا الولايات المتحدة.
والصين وروسيا والهند قادرة على توحيد البلدان النامية والتفاوض مع الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة من خلال تطوير علاقة فعّالة وإستراتيجية وزيادة قوة تأثيرها بشكل كبير على الساحة العالمية. ولكن حتى الآن لا تنوي الدول الثلاث تشكيل تحالف، بل تريد فقط إنشاء مركز جديد للقوة في العلاقات الدولية، لأن تعزيز تعددية الأقطاب، وإن كان عملية طويلة، هو الهدف المشترك للبلدان الثلاثة، لكن ذلك يتطلّب تعميق المحتوى الاستراتيجي للتعاون الثلاثي باستمرار، وإيجاد حلول للمسائل التي يفرضها الواقع العملي. وعليه دخل التعاون الثلاثي مرحلة جديدة بعد أن أصبحت الهند عضواً رسمياً في منظمة شنغهاي للتعاون، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تسير باتجاه دعم إستراتيجية “أمريكا أولاً”.

تحمل المسؤوليات المشتركة
ومقابل الإستراتيجية الأمريكية، ينبغي على البلدان الثلاثة أن تفي بمسؤوليتها المشتركة في تعزيز الاستقرار الاستراتيجي في منطقة المحيطين “الهندي والهادي”، إذ أنها ليست البلدان الرئيسية في المنطقة فحسب، بل إنها أيضاً المستفيدة الرئيسية والمدافعة عن أمن واستقرار المنطقة. وفي المقابل تحاول الولايات المتحدة تعزيز الإطار الأمني ​​”الهندي- الهادي” بقيادتها استناداً إلى تحالفها مع العديد من البلدان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
كما أن البلدان الثلاثة تواجه التحدي المشترك المتمثّل باحتواء انتشار “قوى الشر الثلاث” الإرهاب والتطرف والانفصالية، التي تنشط في وسط آسيا وجنوبها. ومع بقاء قضية أفغانستان معلّقة في الهواء، واستعداد الولايات المتحدة لسحب قواتها ومغادرة البلاد دون حلّ قضية الإرهاب، يجب على الصين، وروسيا، والهند، العمل مع بعضها البعض لتعزيز الاستقرار في أفغانستان، ومنع قوى الشر من توسيع أنشطتها وتوفير بيئة أمنية مواتية للمساعدة في ربط استراتيجيات التنمية الإقليمية الخاصة بها.
وقبل كل شيء، يتعيّن على البلدان الثلاثة أن تستجيب لواقع تزايد الطلب الأمني ​​والتكيّف مع الوضع الجديد الذي تميّز بالحرب على الإرهاب، والذي لا تستطيع الولايات المتحدة أن تقوده. لذلك يجب على الدول الثلاث توفير سلع الأمن من خلال تعميق تعاونها، إذ يتعيّن عليها عقد اجتماعات منتظمة، بما في ذلك منتديات منظمة شنغهاي للتعاون، وبناء بيئة أمنية مواتية لربط استراتيجيات التنمية، ويتعيّن على الدول الثلاث أيضاً تعزيز تعاونها الاستراتيجي. وقد وفرت الدعوات من أوراسيا والأسواق المحلية في الصين وروسيا والهند مجالاً كبيراً للدول الثلاث لربط استراتيجياتها. وتتداخل مبادرة الحزام والطريق في الصين، والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي، والمشروع الهندي “ماوسام” مع بعضها البعض ما يمكّن البلدان الثلاثة من تعزيز التعاون لتحسين الترابط والتنمية الإقليمية المتبادلة.
وبالنظر إلى أن البلدان الثلاثة تشكّل قوى دافعة مهمّة لتعددية الأقطاب وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، إضافة إلى أنها أعضاء رئيسية في “البريكس” ومنظمة شنغهاي للتعاون، فإنها تستطيع بسهولة دفع تطوير نوعين جديدين من المنظمات الدولية من خلال تعميق التعاون الاستراتيجي. وسيكون الإجماع الاستراتيجي الذي توصلت إليه البلدان الثلاثة حيوياً للتعبير عن الاهتمامات والدعوات الجماعية للدول النامية.
في الواقع، وضعت البلدان الثلاثة سلسلة من المقترحات التي من شأنها أن تفيد التعافي الاقتصادي العالمي، والاستقرار المالي ومواصلة تطوير العولمة. ولابد للبلدان الثلاثة من تنويع وتقوية العلاقات فيما بينها، وتعزيز التعاون الاستراتيجي في ظل أطر متعددة الأطراف مثل “بريكس”، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة العشرين، من أجل دفع إصلاح النظام الاقتصادي العالمي، والتغلّب على المعوقات لصياغة آلية جديدة متعددة الأقطاب الهدف منها تشكيل نظام عالمي عادل ومعقول.