الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

عِبْرة من الجزائر

عبد الكريم النّاعم

دخل صديقي وفي وجهه ملامح ضاجّة، وقال لي: “بلا مقدّمات، كيف تقرأ ما حدث في الجزائر، فقد كان قلبي معلَّقا بما يجري فيها”؟
قلت: “ثمّة العديد من المعاني في مجريات حراك الجزائر الذي تابعناه على الشاشات، وفي مقدّمة ذلك أنّ تلك الجماهير المحتشدة لم تنزلق إلى حمْل السلاح، وقد كنتُ أسند قلبي خيفة من هذا المنزلق، لاسيّما وأنّ الصهيوني هنري ليفي قد بشّر بطريقة ما أنّ ربيع الجزائر قد بدا…، فقاطعني: “ألا توجد قوى دينيّة متأخونِة في الجزائر”؟
قلت: “في كلّ مكان ثمّة قوى متقاطعة مع الأخوان بطريقة ما، ولكنّ مخالب هذه القوى قد انتُزِعت في الجزائر في الحرب التي شنّها المتطرّفون فيها فيما سميت “العشريّة السوداء” والتي دامت قرابة تسع سنوات، وجرت مطلع التسعينات، وعانى فيها الجزائريّون ماعانيناه، ولهم مع تلك القوى تجربة مريرة، و”لا يُجرِّب المجرَّب إلاّ مَن كان عقله مخرّب”، فكيف يتقبّلونهم الآن”؟!
قال: “ما الذي جعل القوى الدينيّة المتطرّفة غائبة عن تلك الحشود، ولماذا لم تنفر القوى والدول التي دعمت التكفيريّين في سوريّة لمدّ الخلايا الموجودة هناك بالسلاح”. قلت: “لابدّ من ملاحظة انقلاب الموازين، فيوم أوقدوا الحريق، وأشاعوا الخراب في سوريّة، أعدّوا لهذا الأمر منذ سنوات، وحين ظنّوا أنّه قد آن الأوان أطلقوا تلك القطعان، وأنت وأنا والكثيرون يعلمون أنّ السلاح والتقتيل على أُسس مخجِلة قد بدأ منذ الأيام الأولى، وكانوا يُدركون أنّهم إذا أسقطوا القلعة السوريّة فسوف يسهل أخذ كلّ المواقع الموضوعة على خارطة دوائر الاستخبارات المتصهينة وملحقاتها العربية، وإذا نجحوا في ذلك فسيعيدون ترتيب المنطقة بما يهيئ لنقلة أخرى، هي فتح جميع الأبواب للذهاب إلى تلّ أبيب، لإعلانها مايسترو يقود المنطقة ويخطّط لها، وأنت تعلم كم من المليارات الخليجيّة ضُخّت، وكم من المرتزقة استقدموا، بيد أنّ حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر في السنوات الثماني الماضية، وخاصّة بعد أن بدأت كفّة الانتصار تميل لصالح حلف المقاومة، التكفيريّون، والأخوان المسلمون، وداعموهم هم الآن في حالة من التراجع المنبئ بهزيمة تاريخيّة، فكيف يستطيعون التحرّك في الجزائر، الجزائر صاحبة الحراك الجماهيري الذي لم تُخرَّب على مدى تحرّكه في أسابيع ستّة أية مؤسّسة، ولم يسل دم فيها، فكانوا بذلك حملة حقيقيّين لروح الثورة الجزائريّة التي طردت المحتلّين الفرنسيّين، ولا تنس يا صديقي أنّ للإخوان تجربة في تونس، عبر ما أصبح يُعرَف بحزب النّهضة، فقد تمكّن التونسيّون من محاصرة هذا الحزب للدرجة التي صار فيها يُعلن أنّه يُعيد النظر في الكثير ممّا كان يطرحه، وعسى ألاّ تكون خدعة.
في “المغرب” مدرسة الأخوان مطوَّقة، وفي تونس انكسرت شوكتها، وفي مصر هُزمت، وفي اليمن ما تزال المعركة قائمة بعد أربع سنوات على ما لدى الحلف السعودي من تفوّق ودعم، وهانحن نسمع خطابا جديدا من بعض قادة حماس في غزّة، وأردوغان، نقطة المركز هاهو يحصد بعض ما أوصل إليه الأمور في تركيا، فكيف يستطيعون رفع رأسهم في الجزائر في ذلك الطوفان البشريّ الذي عبّر عن رقيّه في حَراكه؟ ولا تنس موقف المؤسّسة العسكريّة في الجزائر، فقد كان على درجة عالية من الوعي، والحرص، وسلامة التحرّك، وحين تكون المؤسّسة العسكريّة واعية بقياداتها، وفي توجهاتها، تتقلّص مُنذرات الأخطار تقلّصا يجعلها شبه معدومة، والجميع يعلم ما أنجزه الجيش العربي السوري، وقوى الدفاع الوطني، وقوى الحلفاء، لمواجهة المؤامرة متعدّدة الرؤوس، ومتشعّبة الأطراف.
أرجو يا صديقي أن يكون ما حدث في الجزائر بداية حلول أزمنة جديدة، لتنظيف الوطن العربيّ من حثالات التكفير، ولتطهير الأرض من كلّ ما يمهّد، أو يساعد على تسلّل العملاء..”.
aaalnaem@gmail.com