الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

جميل قاشا.. للأرض لغتها العصية على النسيان

 

يبدو أن الفنان جميل قاشا قد نبش وجه الأرض في بحثه عما يريد من لقى شكلتها مصبات الينابيع والأمطار عبر أحقاب طويلة، هذا الباحث عن كنه وجوهر الصخور الصغيرة وعن ألوان غير متوفرة إلا في الحلم البعيد ليصوغها حلي ومجوهرات لمملكة قديمة يعيش بطولات فرسانها ومحاربيها، ربما الأبدية هي الأكثر عدلا في النهاية ببلاغة ما سيتبقى من وجه الأرض..
وفي معرض الفنان قاشا الذي افتتح مؤخراً في صالة تجليات للفنون، والمكتنز ترفا بالمكان والعاطفة والصنعة الحاذقة، لم يكن معرض النحات بقدر ما كان معرض الصائغ، فالحجارة تحولت بلغة الفنان إلى مادة مختلفة، انتزع منها هذا الرجل المربوع ذو الشعر صرامتها ومنطقها وتحولت بالألفة إلى كائنات أخرى “سمك– سحالي– طيور- وجوه أميرات.. “.
بالطبع لا يخفى على المشتغلين في فن نحت بعض الخامات أن طبيعة المادة وتكوينها يستدرجهم لإظهار صور متوقعة ومشهديات لا تحتاج إلا لبعض من الحذف أو الإضافة، هذا من جانب، فيما تختلف الرؤية وتتباين تبعا لثقافة ومشاغل المتلقي وما تتختزنه الذاكرة العميقة للمرء, وحسبي أن الفنان قاشا أحد القادمين من جهة مركبة من ثقافة بصرية متنوعة وبعيدة المصادر، كم كبير يتضح من خلال تنوع مواضيع أعماله واتساع جملته التشكيلية الممزوجة بحواس من التزيين والإضافات الداعمة لهذه المقولة البصرية التي تولد سؤالا جديدا عن مشاغل النحت الحقيقية التي تجعل منه ذلك الفن العظيم؟.. أم ذلك الفن الجميل؟.
وفي سبيل التعريف بهذه التجربة نورد بعضاً مما كتب في دليل هذا المعرض، فقد كتب يوما الراحل فاتح المدرس: قاشا يغوص في أعماق النهر ليستخرج صخرة سوداء، فإذا هي ثور.. يضجر قوة راقصة.. وإذا أدرك أن في هذه وجوها نحتها.. أو مكحلة أو معطرة فواحة..إننا اليوم أمام ابن ذلك الفنان السوري المجهول الذي صنع الأختام والذي أدهش التاريخ في دقة عمله وفي خياله اللامتناهي.
أكسم طلاع