دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة على منزلق الحرب في فنزويلا

 

عناية ناصر
تتخذ الولايات المتحدة إجراءات غير قانونية وخطيرة بغية تغيير النظام في فنزويلا، ففي كانون الثاني الفائت، أعلن خوان غوايدو نفسه “رئيساً مؤقتاً”، في استراتيجية نظمتها الولايات المتحدة لنزع السلطة من الرئيس نيكولاس مادورو. وفي آذار الماضي، أعلن غوايدو أن منظمة “عملية الحرية”، التي أنشئت للإطاحة بحكومة مادورو، ستتخذ “إجراءات تكتيكية” معينة ابتداءً من 6 نيسان. ويتوقع في جزء من الخطة أن ينقلب الجيش الفنزويلي ضد مادورو.
هذه الإستراتيجية مفصّلة في دليل تغيير النظام المؤلف من 75 صفحة الذي أعده مختبر التنمية العالمي الأمريكي، وهو فرع من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ويدعو هذا الدليل إلى إنشاء فرق حملات سريعة لإقامة شراكة مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، والقوات الأمريكية الخاصة لإدارة “مزيج من العمليات الهجومية والدفاعية والاستقرار في الظروف القاسية”. ستشمل بعض هذه الإجراءات، على الأرجح، عمليات قتالية. ويقول مسؤول في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: “أي شخص لا يعتقد أننا بحاجة إلى العمل في عناصر قتالية أو العمل مع مجموعات القوات الخاصة هو مجرد شخص ساذج”.
كُتِب الدليل من قبل أعضاء من مجموعة “فرونتير ديزاين”، وهي مقاول للأمن القومي ركزت عملها على مجموعات المشكلات الشريرة والمتداخلة في بعض الأحيان، وهي الهشاشة والتطرف العنيف والإرهاب والحرب الأهلية والتمرد. ووفقاً لبيان مهمتها، كتب تيم شوروك في صحيفة واشنطن بابيلون أن مجموعة فرونتير ديزاين كانت “المقاول الوحيد” الذي عينته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لكتابة “مبدأ جديد لإدارة ترامب لمكافحة التمرد”.
تم تمويل غوايدو من المنظمة الشقيقة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وهي المؤسسة الوطنية للديمقراطية، سيئة السمعة بسبب التدخل في بلدان أخرى وإسباغ وجه جيد على الأعمال القذرة لوكالة الاستخبارات المركزية، كما أوضح الصحفي الراحل وليام بلوم.
استشهد كل من ميديا بنيامين ونيكولاس دافيز الكاتبان في مجلة “Salon” بتصريح بلوم أن الولايات المتحدة تفضل عموماً “صراعاً منخفض الشدة” على حروب واسعة النطاق. وأشارا إلى أن “الصراع منخفض الشدة” يتضمّن أربع أدوات لتغيير النظام: العقوبات أو الحرب الاقتصادية، الدعاية أو “حرب المعلومات”، الحرب السرية وبالوكالة، والقصف الجوي. وأضافا: “في فنزويلا”، استخدمت الولايات المتحدة الخيارين الأول والثاني، والثالث والرابع الآن “مطروحان على الطاولة” بما أن الأولين خلقا حالة من الفوضى، ولكن حتى الآن لم تسقط الحكومة.
في الواقع، لم تنجح مجموعة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وانقطاع التيار الكهربائي، الذي تم استغلاله حتى ولو لم تكن سببه الولايات المتحدة، في إسقاط مادورو وتعيين غوايدو.

معاناة الشعب الفنزويلي

كان الاقتصاد الفنزويلي في حالة متراجعة لها قبل أن تفرض إدارة ترامب عقوبات أشد في كانون الثاني، إذ انخفض إنتاج النفط الخام في فنزويلا بمقدار 142 ألف برميل يومياً في شباط وفقاً لمنظمة أوبك. هذا يدل على أن العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب في كانون الثاني كان لها تأثير فوري وقاس للغاية على اقتصاد فنزويلا، وعلى عموم السكان، الذي يعتمد على عائدات التصدير من النفط للواردات الأساسية بما في ذلك الأدوية والغذاء والمعدات الطبية، وصرح مارك ويسبروت، المدير المشارك في مركز البحوث الاقتصادية والسياسات، قائلاً: إذا استمر هذا الانخفاض في إنتاج النفط بنفس المعدل، فستخسر فنزويلا أكثر من 2.5 مليار دولار من عائدات النفط خلال العام المقبل، والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة سوف تسرع هذا الانخفاض. في 4 نيسان أصدرت جامعة جونز هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة وهيومن رايتس ووتش تقريراً من 71 صفحة يوثق وقائع نقص الغذاء والدواء والزيادات الحادة في الأمراض في جميع أنحاء فنزويلا، واصفين الوضع بأنه حالة طوارئ إنسانية، ويوصون باستجابة شاملة من الأمين العام للأمم المتحدة.

المساعدات الإنسانية كأداة للحرب

إن إساءة استخدام الولايات المتحدة لـ المساعدة الإنسانية كغطاء لتهريب الأسلحة وغيرها من المواد غير الإنسانية لها تاريخ طويل في بلدان أمريكا اللاتينية، انتقد الفريد دي زاياس، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة في فنزويلا، في مقابلة مع AntiDiplomatico الولايات المتحدة لسياستها المتسمة بالنفاق، وقال: ليس من الممكن أن تكون سبباً رئيسياً للأزمة الاقتصادية بفرضها العقوبات، الحصار المالي والحرب الاقتصادية ثم التحول إلى السامري الصالح.
استراتيجية الحكومة الأمريكية المستهترة هي لزيادة معاناة الشعب الفنزويلي، على أمل أن يثور ضد مادورو. تم استخدام هذا النهج السيئ من قبل إدارة أيزنهاور بعد الثورة الكوبية عام 1959 الذي استند إلى مذكرة وزارة الخارجية التي اقترحت خط عمل يحقق أكبر تقدم في حرمان كوبا من الأموال والإمدادات لتخفيض الأجور النقدية والحقيقية لإحداث الجوع واليأس والإطاحة بحكومة فيدل كاسترو. تواصل الحصار الاقتصادي الأمريكي ضد كوبا بإيذاء الناس، لكنهم لم يثوروا على حكومتهم.
في نهاية شهر آذار، وافقت الحكومة الفنزويلية والمعارضة على قيام الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بإنشاء حملة إغاثة عالمية للمساعدات الإنسانية.
طلبت فنزويلا وتلقت المساعدة من الأمم المتحدة وروسيا والصين وتركيا والهند وكوبا، حسبما ذكر دي زاياس، “لكن هذا كان إنسانياً وعرض بحسن نيّة ودون أي قيود. المساعدات الأمريكية هي “ثمرة شجرة السم” ففي 3 نيسان، قدم السناتور ماركو روبيو عن ولاية فلوريدا، الذي ساعد في قيادة مهمة تغيير النظام في فنزويلا، مشروع قانون من 76 صفحة في مجلس الشيوخ يوافق على تقديم 400 مليون دولار كمساعدة لفنزويلا، واتخاذ خطوات لتسهيل تغيير النظام. وسيُقيِّم “التماسك المتناقص داخل القوات العسكرية والأمنية الفنزويلية ونظام مادورو، ويصف العوامل التي من شأنها تسريع عملية اتخاذ القرارات للأفراد للانفصال عن نظام مادورو والاعتراف بـ غوايدو كرئيس مؤقت لفنزويلا. سيتطلب مشروع قانون روبيو أيضاً تقديم إحاطة حول “المدى الكامل للتعاون” من جانب روسيا والصين وكوبا وإيران مع حكومة مادورو.
الولايات المتحدة تعارض التعاون بين روسيا وفنزويلا

في نهاية آذار، أرسلت الحكومة الروسية 100 جندي إلى فنزويلا، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: “لقد وصل المختصون الروس.. وفقاً لبنود اتفاقية ثنائية حول التعاون التقني العسكري”. في أوائل نيسان، أعلنت روسيا عن خطط لتثبيت منشأة تدريب لطائرات الهليكوبتر العسكرية في فنزويلا، الأمر الذي أزعج إدارة ترامب، فقد حذر مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون من أن الولايات المتحدة تعتبر وجود قوات عسكرية من خارج نصف الكرة الغربي “تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين في المنطقة”. ومع ذلك، تنفي روسيا أن وجودها العسكري في فنزويلا يشكل تهديداً عسكرياً. “لم ينتهك الجانب الروسي أي شيء لا الاتفاقيات الدولية ولا القوانين الفنزويلية”، وفقاً لزاخاروفا. كما أشار وزير الخارجية الفنزويلي خورخي أريزا إلى نفاق السياسة الأمريكية، وقال: إنه “من السخرية أن دولة لديها أكثر من 800 قاعدة عسكرية في جميع أنحاء العالم، معظمها في أمريكا اللاتينية، وميزانية عسكرية متنامية تبلغ أكثر من 700 مليار دولار، تعتزم التدخل في برنامج التعاون العسكري التقني بين روسيا وفنزويلا. “في أواخر آذار، وافق مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون يسمى “قانون تخفيف التهديد الروسي- الفنزويلي” لقياس نفوذ روسيا في فنزويلا ويهدف إلى وضع إستراتيجية لمواجهة التهديدات من التعاون الروسي الفنزويلي. كما يتطلب مشروع القانون تقييم مخاطر الأمن القومي الناجمة عن الاستحواذ الروسي المحتمل على ممتلكات البنية التحتية للطاقة في CITGO وهي فرع لشركة النفط الوطنية الفنزويلية في الولايات المتحدة.
كتب محترفو المخابرات القدامى، وهم منظمة من ضباط المخابرات السابقين وغيرهم ممن عملوا في الأمن القومي، في مذكرتهم إلى دونالد ترامب أن سياسات إدارتكم فيما يتعلق بفنزويلا تبدو على منحدر زلق يمكن أن يأخذنا نحو الحرب في فنزويلا والمواجهة العسكرية مع روسيا. كما هددت الحكومة الأمريكية كوبا لدعمها لفنزويلا، إذ قال نائب الرئيس مايك بينس: إن إدارة ترامب ستتخذ إجراءً قوياً ليس فقط لعزل فنزويلا ولكننا نتطلع أيضاً إلى اتخاذ إجراءات قوية ضد كوبا. في 5 نيسان، أعلن بينس أن الولايات المتحدة تفرض عقوبات على شركتين تقومان بتسليم النفط الخام الفنزويلي إلى كوبا، ويدافع ترامب، عن مشروع عضو مجلس الشيوخ ماركو روبيو (جمهوري من فلوريدا) لتمديد الحصار الاقتصادي المفروض على كوبا.

تغيير النظام قسراً غير قانوني

يحظر ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد السيادة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى. وبالمثل، يمنع ميثاق منظمة الدول الأمريكية أي بلد من التدخل في الشؤون الخارجية لدولة أخرى. ويضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في تقرير المصير. وقال إدريس الجزائري، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالآثار السلبية للعقوبات: “يجب ألا يستخدم الإكراه، سواء أكان عسكرياً أو اقتصادياً، للبحث عن تغيير في الحكومة في دولة ذات سيادة”.
في منتصف شهر آذار، أرسلت ما يقرب من 40 منظمة، بما في ذلك منظمة CODEPINK، وPeace Action، وJust Foreign Policy وVoteVets، رسالة إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، تحث فيها على تفعيل الحزبين للقانون “” HR 1004 الذي يحظر العمل العسكري غير المصرح به في فنزويلا، ووصفته المجموعات بأنه ضمانة هامة ضد العمل العسكري الأمريكي غير الدستوري.
يحظر القانون “HR 1004” استخدام الأموال المتاحة للإدارات أو الوكالات الفيدرالية لإدخال القوات المسلحة للولايات المتحدة في الأعمال العدائية مع فنزويلا، باستثناء عملاً بـ (1) إعلان الحرب، (2) تصريح قانوني محدد يستوفي متطلبات قرار سلطات الحرب، ويتم سنها بعد سن هذا القانون، أو (3) حالة طوارئ وطنية تنشأ عن الهجوم على الولايات المتحدة أو القوات المسلحة. من الضروري أن يستنكر الكونغرس قرار قوى الحرب، الذي صدر في أعقاب حرب فيتنام، لمنع الرئيس من تصعيد العدوان الاقتصادي والعسكري الأمريكي الخطير ضد فنزويلا. في 4 نيسان، وللمرة الأولى منذ عام، استخدم الكونغرس قرار سلطات الحرب لإنهاء التدخل العسكري الأمريكي غير المصرح به في اليمن.