أخبارصحيفة البعث

مازلنا نعتمد المبدأ الذي قضى على التجربة الاشتراكية شرق أوروبا

 

د. مهدي دخل الله

إنه مبدأ «المعدات المتساوية» سيىء الصيت!…
هذا المبدأ واحد من أخطر المبادئ التي قضت على تجربة بناء اشتراكي متطورة في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية.. الصينييون تخلصوا منه قبل عقود، وكان هذا من أهم عوامل استمرار «الحزب الشيوعي» في قيادة دولة لا تبتعد كثيراً عن الرأسمالية في عدة قطاعات بما في ذلك عضوية الحزب (ملاحظة: الحزب الشيوعي الصيني أكد في مؤتمره الأخير قبل عام ونيّف على عضوية جميع الفئات في الحزب بمن فيهم الرأسماليون – هكذا حرفياً)..
قانون «المعدات المتساوية» قانون مضر بالنمو وبالعلاقات الإنسانية والاجتماعية وبطبيعة الأشياء على حدٍ سواء..
هذا القانون يقول: إن الأفراد لهم معدات متساوية، يعني حاجات متساوية، ويجب استخدام هذا المعيار الوحيد في تقييم عملهم ودفع ثمن هذا العمل..
«المسطرة» تساوي في الجزاء بين غير متساويين في العطاء، وهذا ضد الأخلاق والطبيعة والدين والمفاهيم الإنسانية كلها. فمثلاً بما أن آينشتاين فيزيائي، فسيكون أجره على عمله يساوي أجر أسوأ فيزيائي آخر… العطاء ليس مهماً، المهم أن الاثنين لهما معدتان متساويتان.
مهندس مبدع في شركة عامة رابحة، مدير متميّز يحقق بكفاءته الشخصية إنجازات مهمة لشركته، أستاذ متألق، إدارة جيدة، هؤلاء كلهم يتساوون في الأجر مع أمثالهم من الفاشلين، لأنهم جميعاً لديهم الشهادات الأكاديمية نفسها… النتيجة: يذهب المتميّزون إلى بلاد الله الواسعة، حيث يتم تقدير كفاءاتهم، ويبقى في الوطن أولئك الذين لا يريدهم أحد في الخارج. في السعودية ودول الخليج مئات من المبدعين السوريين. في الثمانينيات كنت في برلين الغربية، فقالوا لي: إن أكثر من ألف طبيب سوري مبدع فيها، فكيف الآن وكيف في ألمانيا كلها؟؟..
هل أحدّثكم عن الكفاءات السورية في أمريكا والبرازيل والأرجنتين؟ أم في فرنسا وبريطانيا؟..
هل تعلمون أن «صانع» الحكومة الالكترونية في السعودية مهندس سوري، وهو أستاذ زائر في اكسفورد…أعرفه شخصياً..
هل تعلمون أن طبيباً سورياً مبدعاً يعمل في السعودية خبيراً في زراعة الكبد والكلى في أهم مشافي الرياض، يحاول العودة إلى وطنه، بدافع وطني، وهو يبحث ليجد مكاناً له، لكنه في زياراته كلها يتعثر..
إن أهم أولوية اليوم ينبغي أن تكون استعادة جزء من هؤلاء المبدعين، إن لم يكن كلهم. الخطوة الأولى تطبيق مبدأ الجزاء مقابل العطاء بعيداً عن مبدأ «المعدات المتساوية» المضر !! عندما نؤمن بهذه الأولوية نستطيع بسهولة إيجاد الصيغ اللازمة لتطبيق ذاك المبدأ…

mahdidakhlala@gmail.com