ثقافةصحيفة البعث

الدراما المشتركة.. أبعد من ظاهرة وأكثر من أسئلة

 

 

يكثر الحديث عن الدراما المشتركة، وهذه ستصبح تالياً سمة المواسم الرمضانية القادمة، والسؤال سيتجاوز (هذه الظاهرة) ليس بمعنى السجال حول حداثتها أو قدمها، بل حول دور الدراما السورية في الفضائيات العربية، وهل مازالت –هذه الدراما- رقماً صعباً؟، لاسيما وأن الكثير من النجوم قد وجدوا فيها مساحة أخرى للخروج من الفضاءات الضيقة، ما يعني رغبة بالانتشار والتحقق أكثر وحصد نجومية أعلى، ويدلل على ذلك ما يقوم به النجم تيم حسن والنجم عابد فهد على وجه الخصوص، لاسيما وأن الأعمال التي تكاد تحمل بطولتهم المطلقة (الهيبة– دقيقة صمت) على سبيل المثال.
وبصرف النظر عن طبيعة المقولات التي تحملها هذه الأعمال، وهي مقولات وجدت فضاء شعبياً من المتابعة والترقب والانتظار، بما تحمله كلمة انتظار من معنى، فإن تقليد الأعمال المشتركة والذي وجدنا تجلياته في السينما لاسيما اللبنانية والمصرية، كان يفسر آنذاك إلى حد كبير حضور النجم السوري في الأعمال العربية بوصفه رافعة لها، فهو القادم من خبرات وتقانات قد نجدها بحدود ضيقة في الأعمال العربية المشتركة، لكن دراما هذا العام 2019، بنكهتها المتنوعة جعلت من هذه الأعمال الطبق الرئيس على موائد التلقي إن جاز التعبير، وهذا من شأنه أن يجعل ما اصطلح على تسميته بدراما البيئة الشامية في مكان آخر، بتراجع الحماسة حولها على الرغم من أنها تتوسل رضا متلقيها بوساطة الأجزاء، وهذه إشكالية بحد ذاتها، والسؤال الآخر هل تغير ذائقة المتلقي للدراما في ضوء التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم وباتت فيه بعض الأنواع الدرامية أشبه بالمخيلة الهوليودية التي تحرص على الإثارة والتشويق، عبر متوالية الحكايات، أو الذروات المتصلة المنفصلة، هذا فضلاً عن أن الجمهور مازال يبحث عن بطل يشبهه أو يحقق بعض أحلامه في التفوق والبحث عن العدل الشريد، فمن فضاء البطولة إلى فضاء البطل الطليق، الذي يسقط عليه الجمهور كل رغباته، والذي بات يشكل اليوم جزءاً من نسيج مجتمعي يواسي نقص القيم باستعادة هذا البطل أو ذاك ولو بالمغزى الدرامي، ولعل الكثير من هذه الأسئلة يحتاج تدقيقاً في ظاهرة لا تعوض غياب (العمل العربي المشترك) من مستوى آخر، لكنها أسئلة استحقاق هذه الصناعة الدرامية التي بات لها اليوم الكثير من الحوامل الخارجية أيضاً، ولا بديل عن الحوامل الداخلية صاحبة المشروع الوطني، دراما مشتركة تكسر الحصار، لكن ذلك لا يكفي عند صنّاع الدراما وهجرة نجومنا إلى فضاءات مختلفة سوف نجد اختلافها بمعنى اندياح الخصوصية واستنبات إشكاليات لا يحملها الواقع على هذا النحو أو ذاك، بقدر ما تكون من المسكوت عنه في المضمرات الاجتماعية والحياتية، وشأن الدراما هنا ألا تكون مثالاً للواقع أو محض صورة عنه، بل ما يمكن اعتباره استشرافاً وتجاوزاً وتخطياً لما يتماثل في الذائقة الدرامية من أعمال شغلنا كمها على حساب نوعها، ومن أن خيارات الفنان السوري اليوم لا تعني شيئاً كثيراً خارج الفضاء الدرامي السوري الذي يتطلب الارتقاء بهذه الصناعة الثقيلة، كما ثقافتها التي يبدو أنها أصبحت قدراً مشتركاً مع الناس ومستويات تلقيهم، ففيها يرون أن ثمة أقداراً درامية ستصبح تأويل أحوالهم وبراءة أسئلتهم في معرفة الذات والوجود والحياة، بحثاً عن المشترك الذي يعني أن استحقاق الدراما السورية هو استحقاق أخلاقي ومعرفي وإنساني بامتياز، وهذا يعيدنا إلى القول بأن ثمة ظاهرة محايثة أيضاً هي تطييف البطولة، بمعنى أن البطولة الجماعية اليوم هي المثال القادر في حقل الدراما على أن يعطي نماذجه على صعود بعض الأنواع الدرامية، وربما تلاشي بعضها.

أحمد علي هلال