تحقيقاتصحيفة البعث

المحاصيل الزراعية في اللاذقية.. مؤشرات إنتاجية مبشرة.. وتعويضات خسائر الأحوال الجوية زهيدة

 

وضعت الأحوال الجوية والمتغيرات والتقلبات المناخية التي سادت محافظة اللاذقية هذا العام محاصيل الإنتاج الزراعي أمام تحديات إنتاجية واقتصادية حقيقية في النوع والكم، ليس أقلها الآثار والأضرار والخسائر الناجمة عن العواصف المطرية، والأحوال الجوية القاسية التي حملت الهواجس الكثيرة، والمخاوف الكبيرة للمزارعين المنتجين بحساباتها الثقيلة عليهم في المقام الأول، ومن ثم على السوق والمستهلك هذا الموسم أكثر من غيره في مختلف مناطق المحافظة التي تعرّضت لأحوال جوية قاسية ترافقت مع عواصف مطرية شديدة الغزارة، وبرودة قاسية، وموجات كثيفة من حبات البرد، والرياح العاتية، والسيول، وغيرها في الموسم 2018-2019 بأضراره المتباينة في المزروعات، والمنشآت، والشبكات، والبنى التحتية، وبنسب متفاوتة يتناقلها ويتداولها الفلاحون والمزارعون ممن تساورهم الهواجس الناجمة عن تأثير الأحوال الجوية الاستثنائية على المحاصيل الزراعية، بما يوازي التحديات المناخية التي تواجه زراعاتهم التي لا تسلم حتى من حرائق الصيف، كما رياح وصقيع الشتاء، فما يتم تعويضهم به غير مجد مقارنة مع النسبة المعتمدة في صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية التي تعوض عن الأضرار الزراعية بنسبة 5%، وتصل إلى 10% في أحسن الأحوال، وهذه النسبة الضئيلة على تواضعها لن يتمكن المزارعون من الحصول عليها جراء ما لحق بمحاصيلهم هذا الموسم، لأن الأضرار يتم احتسابها على أساس تضرر نسبة 50 بالمئة من كلفة الإنتاج، وبحسب معطيات وبيانات تقدير الأضرار فإن هذه النسبة غير متحققة في الأضرار الحاصلة رغم كثرتها، رغم أن النسب المحددة أصلاً في صندوق التخفيف من آثار الجفاف لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تحمي الإنتاج الزراعي، ولا أن ترفع الضرر عن المزارعين، لاسيما أن مستلزمات الإنتاج تحلّق أسعارها ارتفاعاً مضاعفاً، ليقف المزارعون عاجزين عن معاودة العملية الإنتاجية، لأن النسبة المحددة تحسب على أساس كلفة خسائر الإنتاج.

أثر الظروف الجوية
وفي متابعة مستفيضة لهذه الآثار ومنعكساتها على الإنتاج الزراعي في المحافظة، التقينا مدير الزراعة في اللاذقية المهندس منذر خير بك، وسألناه عن التأثيرات المناخية على المحاصيل الزراعية، فقال: يعد المناخ أحد الضوابط الطبيعية التي تؤثر في جميع الظواهر الطبيعية والبشرية بشكل مباشر أو غير مباشر، ويعد النشاط الزراعي من أكثر الأنشطة البشرية استجابة للمتغيرات المناخية، وتأثراً بعناصر المناخ وتغيراته، وأشار خير بك إلى أن المحافظة شهدت هذا العام هطولات فاقت معدلاتها مقارنة بالعام الماضي، حيث فاقت الهطولات المطرية نسبة 200% في بعض المناطق، إذ بلغ معدل الهطول على مستوى المحافظة لهذا الموسم 1554,5 مم مقابل 954 مم للموسم الماضي.

تأثيرات إيجابية وسلبية
وبيّن المهندس خير بك أن هذه الظروف الجوية التي سادت المحافظة هذا العام أدت إلى تأثيرات إيجابية على بعض المحاصيل، وتأثيرات سلبية على بعضها الآخر، ومن خلال متابعة مديرية الزراعة للتغيرات المناخية وآثارها فقد اتخذت إجراءات مبكرة للتخفيف من الآثار السلبية للمتغيرات المناخية، ويمكن إيجاز وتلخيص الحالة العامة للمحاصيل في محافظة اللاذقية للموسم الزراعي الحالي بالآتي: بالنسبة للأشجار المثمرة الرئيسية، وأهمها الحمضيات، والزيتون، والتفاح، لاسيما محصول الحمضيات، فقد أدت الظروف الجوية من هطولات عالية إلى انتشار الأمراض الفطرية: (ميلانور– انثراكنور)، وخاصة على الثمار نتيجة ارتفاع نسب الرطوبة الجوية والأرضية، حيث يتم من خلال الوحدات الإرشادية التوعية، وحث الإخوة المزارعين على ضرورة الرش بمبيد فطري بعد العقد مباشرة للحد من الإصابة الفطرية، أما بالنسبة لذبابة الفاكهة فقد كان لظروف انخفاض الحرارة تأثير أدى إلى انخفاض الحشرة إلى الحد الأدنى من الإصابة الفطرية، وتأخر ظهورها مع انخفاض المجتمع الحشري، حيث تبيّن من خلال قراءة المصائد في شهري آذار ونيسان انعدام نشاط تلك الحشرة تقريباً، وتستمر مديرية الزراعة بتوزيع مواد مكافحة ذبابة الفاكهة مجاناً على الإخوة المزارعين من خلال الوحدات الإرشادية.

واقع المحاصيل
أما بالنسبة للإزهار والعقد فكان جيداً لهذا العام، ما يبشّر بمحصول جيد للموسم القادم، علماً أن إنتاج الحمضيات للموسم 2018 – 2019 على مستوى المحافظة بلغ 863953 طناً، ويعتبر محصول الزيتون هذا العام موسم إنتاج للمحصول بعدما كان موسم 2018 – 2019 موسماً معاوماً، إذ بلغ الإنتاج فيه 21353 طناً، أما موسم عام 2017 – 2018 فقد بلغ الإنتاج فيه 263403 أطنان، وبالنسبة للموسم الحالي فإن الأمطار الغزيرة ومتجانسة الهطول غير العاصفية أدت إلى نمو خضري جيد جداً، ومعدل إزهار ممتاز، ومن جهة أخرى فإن قلة تقديم عمليات الخدمة الأساسية من حراثات سطحية، وتسميد، وتقليم، ومكافحات أدت إلى زيادة بعض الإصابات التي تترافق مع هذه الظروف المناخية، وخاصة ارتفاع الرطوبة الأرضية والجوية مثل عين الطاووس، وبشكل متفرق إصابات خفيفة بذبابة الأوراق، ومن المتوقع إذا استمرت الظروف الجوية المناسبة كعدم هطول أمطار غزيرة، أو حصول عواصف غبارية خلال شهري أيار وحزيران أن تكون نسبة العقد عالية جداً حسب مظهر إزهار الأشجار، وقد أقامت مديرية الزراعة ندوة خاصة حول المكافحة المتكاملة لآفات الزيتون وفق المتغيرات المناخية بالتعاون مع أكساد، والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية.

تمزّق الأوراق
وحول واقع محصول التفاح بيّن المهندس خير بك أن الظروف الجوية أدت إلى انتشار بعض الأمراض الفطرية، وخاصة جرب التفاح نظراً لتوفر الظروف الجوية المناسبة (أمطار مع حرارة مناسبة)، وقد تم إعلام الإخوة المزارعين بضرورة المكافحة، كما أدت الهطولات المطرية المصحوبة بالبرد إلى تمزّق الأوراق الحديثة لأشجار التفاح، وتساقط الأزهار بنسبة وصلت إلى 25%، خاصة في منطقة كسب، أما فيما يخص اللوزيات والمحاصيل والزراعات الحقلية فأوضح مدير الزراعة بأن الهطولات المطرية، وتساقط البرد أديا إلى تساقط في أزهار اللوزيات بنسب تفاوتت حسب المناطق، وتراوحت بين 10– 20%.
انزياح مساحات
لقد أدت الانزلاقات التي حدثت نتيجة الهطولات المطرية الغزيرة إلى انزياح مساحات من الحقول المزروعة بالمحاصيل الشتوية في بعض المناطق، كما أدت إلى غدق في الأراضي المزروعة بالمحاصيل الشتوية، وخاصة الورقية، ما أدى إلى بطء في النمو، وانخفاض الإنتاج، أما بالنسبة للقمح فبلغت المساحة المزروعة لهذا الموسم 2264 هكتاراً، وقدّر الإنتاج الأولي بـ 4480 طناً، وتعد الحالة العامة للمحصول جيدة لجهة النمو والإنتاج المقدّر، كما تتم مراقبة هذه المساحات، ومتابعة التحري عن الآفات، ولم تسجّل أية إصابة اقتصادية بمرض صدأ القمح، أو حشرة السونة، وفيما يتعلّق بالخضار المحمية فإن الجو الغائم لفترات طويلة خلال فصل الشتاء هذا العام أدى إلى تأخر نضج الخضار المحمية نتيجة لقلة السطوع الشمسي، وهذا أدى إلى قلة كمية الإنتاج المسوّق، وارتفاع أسعارها.

إجراءات وتدابير احترازية
كانت هناك العديد من التأثيرات التي طرأت مناخياً على المنطقة، منها هجرة عدة أنواع من الحشرات من مواطنها الأصلية مثل: أبو دقيق الخبازي، وحشرة الكالوسوما، وخنفساء أبو العيد ذي النقاط السبع، وهي تصنّف كحشرات مفيدة (عدو حيوي)، حيث تفترس العديد من الآفات، ومنها يرقات جادوب السنديان، كما كانت هناك هجرة أسراب من الجراد الصحراوي عبر المملكة العربية السعودية، ووصولها إلى الأردن، ما استدعى أخذ الحيطة والحذر، والتحضير للقيام بحملة مكافحة للجراد في حال وصوله إلى المحافظة، حيث تم إصدار قرار بتشكيل لجنة طوارىء، وإحداث غرفة عمليات لمتابعة تطورات هذه الآفة مع الفنيين المناوبين في الوحدات الإرشادية.

تكثيف برامج المكافحة
ولفت المهندس خير بك إلى تكثيف خطط وبرامج المكافحة الحيوية والمتكاملة، وتجهيز وتحضير جميع آلات المكافحة اللازمة وعددها /46/ آلية: (15 مرشاً سعة 1500 ليتر و10 مرشات سعة 100 ليتر و2 مرش ظهري و2 مرش محمول على سواعد الجرّار و17 ناثر ضباب)، مع المبيدات المتخصصة لذلك، ووضع 20 جراراً مع مرشاتها، و10 سيارات بيك آب في حالة الجهوزية التامة، ولكن نتيجة اتجاه الرياح انخفض احتمال الجراد بشكل كبير، ومن خلال استراتيجية مديرية الزراعة للاستفادة من الموارد المتاحة، وتوعية المزارعين لاتخاذ الإجراءات المناسبة لتلافي حدوث أضرار اقتصادية على المحاصيل مثل إطلاق حملة مبكرة لمكافحة مرض تبقّع عين الطاووس، حيث أشارت المعطيات المناخية والمراقبة والاختبارات التي قامت بها مديرية الزراعة إلى إمكانية حدوث انتشار لهذا المرض.

حصر المساحات المتضررة
تم تنفيذ حملة مكافحة لمرض تبقع عين الطاووس، وذلك من خلال تأمين 14 مرشاً مع الجرارات والمحروقات اللازمة لها، مع الجهوزية التامة لصيانتها في ورشة الوقاية، وفي أماكن العمل الميدانية، وتم توزيع هذه الجرارات على مناطق المحافظة الأربع وفق مساحة كل منطقة، وبلغت المساحة الإجمالية المكافحة حتى تاريخ 6– 5–2019 /16838/ دونماً، وتم حصر المساحات التي تعرّضت للأضرار والكوارث الطبيعية من خلال صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى حملة لمكافحة فأر الحقل، حيث تم تأمين مواد المكافحة، وتوزيعها على الوحدات الإرشادية، وتوعية الإخوة المزارعين بضرورة مكافحة هذه الآفة الخطيرة على المحاصيل كون الظروف مناسبة لانتشارها نتيجة الأمطار الغزيرة، ونمو الأعشاب بشكل كبير، وقلة حراثة الأراضي الزراعية في العديد من مناطق المحافظة، وبلغت المساحة المكافحة من فأر الحقل منذ بداية العام وحتى تاريخه نحو /7730/ دونماً.

تقدير حجم الأضرار والخسائر
نتيجة الظروف الجوية والهطولات المطرية الغزيرة التي سادت خلال هذا الموسم، وترافق البعض منها بهطولات برد، حيث حدثت العديد من الانزلاقات في التربة في مختلف مناطق المحافظة، قامت مديرية زراعة اللاذقية من خلال وحداتها الإرشادية بحصر الأضرار التي حصلت في مناطق المحافظة، وجاءت نتائج الحصر على النحو الآتي: القرداحة: بلغ عدد القرى المتضررة 12 قرية، وعدد المزارعين 146 مزارعاً، وعدد الأشجار 2357 شجرة، منطقة الحفة: /39/ قرية، و791 مزارعاً، بمساحة إجمالية 1137 دونماً، وعدد أشجار كلي 34051 شجرة مثمرة، و2310 شجرات حراجية، و2 دونم قمح، منطقة اللاذقية: تضررت 7 قرى، و59 مزارعاً، بمساحة 124 دونماً، و2225 شجرة مثمرة، وأشجار صنوبرية، وسرو، ووصل المجموع الكلي للقرى المتضررة في المحافظة 58 قرية، بمساحة إجمالية 1406,7 دونمات، بعدد أشجار كلي 38633 شجرة مثمرة وحراجية.

لا يمكن تعويضها
يبيّن مدير الزراعة أن الأضرار الحاصلة لا يمكن تعويضها من خلال صندوق الجفاف، والكوارث الطبيعية، حيث إن التعويض يتم على الفاقد من الإنتاج الزراعي، وليس على الأشجار، وذلك حسب التعليمات الناظمة للصندوق، وهناك أضرار زراعية حاصلة نتيجة الهطولات المطرية المصحوبة بالبرد بتاريخ 19 إلى 21 نيسان 2019، حيث شملت الأضرار تمزّقاً في الأوراق الحديثة، وإصابة الأزهار على أشجار اللوزيات، خاصة الكرز والخوخ، وتساقط الأزهار والثمار، وحدوث أضرار في البيوت المحمية، وتمزّق شرائح النايلون، وحدوث ندبات، وتساقط على اللوزيات بنسبة 15-20%، وهي نسبة الإنتاج المفقود من الإنتاج المتوقع في منطقة اللاذقية، وتمزّق الأوراق الحديثة، وإصابة الأزهار في التفاح، وتساقط الأزهار بنسبة 25%، وحصلت أضرار في منطقة جبلة، منها تمزّق الأوراق الحديثة، وحصول ندبات على الأزهار على أشجار الكرز واللوز، وتساقط قسم منها بنسبة 10– 15%، وهو الإنتاج المفقود من الإنتاج المتوقع.

غمر الأراضي المزروعة
كما تسببت الأحوال الجوية بغمر مساحات من الأراضي المزروعة بمحصول التبغ، علماً أن القمة النامية جيدة، ويمكن استعادة نموها بشكل طبيعي، أما في منطقة القرداحة فقد حصل تساقط أزهار الخوخ والكرز بنسبة لا تتجاوز 5%، علماً أن نسب تساقط الأزهار الواردة أعلاه هي نسبة الإنتاج المفقود من الإنتاج المتوقع، وعليه فإن نسبة الإنتاج المفقود لا تتجاوز 25%، ولا يمكن التعويض من خلال صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية، لأنه حسب التعليمات الناظمة لعمل الصندوق يشترط بالمتضررين كي يستحقوا التعويض أن يزيد حجم الضرر عن 50% من الإنتاج الزراعي المتوقع.

مروان حويجة