مواقف ترامب وتغريداته للبيع
تنوّعت التحليلات والآراء حول الغاية التي تسعى إليها واشنطن من وراء التحشيد العسكري المفاجئ في مياه الخليج وبحر عمان، ولكن الشيء الذي لا يختلف عليه اثنان هو أن أمراً خطيراً كان على وشك الوقوع في الأيام الأخيرة، فالإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب أخطأت كثيراً في تقدير الموقف عندما اعتقدت أنها تستطيع أن تجرّ إيران إلى التفاوض بشروطها أو تجبرها على الاستسلام بمجرّد التصعيد عسكرياً أو تهديدها بالتصعيد، حيث يدرك الجميع أن اللعب بهذه الطريقة العنيفة في هذه المنطقة المتوترة أساساً لن يكون سهلاً، وستكون تبعاته كارثية على المستوى العالمي.
لقد ظنّ ترامب للوهلة الأولى أنه يستطيع أن يمارس جميع وسائل الإرهاب ضد أي دولة متى شاء ذلك، لذلك سارع إلى الإيحاء بأنه سيمنع بالقوة إيران من تصدير نفطها عبر مضيق هرمز، الأمر الذي كانت أكدت إيران أنه لن يمر دون منع سائر الأطراف من الاستفادة من المضيق، بمعنى أن حرمان إيران من تصدير نفطها سيؤدّي إلى حرمان الدول الأخرى من تصدير نفطها عبره، ومعلوم أن نحو 40 % من الطاقة في العالم يخرج عبر هذا المضيق، ما يعني أن إغلاقه سيكون كارثياً على العالم، وسيتسبب بارتفاع أسعار الطاقة إلى أرقام خيالية، فضلاً عن النقص الشديد في موارد الطاقة في حال استمر الإغلاق فترة طويلة، وهذا الأمر لن يكون تحت السيطرة طبعاً، وسيؤدّي إلى انهيار بورصات واقتصادات عالمية.
على كل الأحوال، ويوماً بعد يوم، يثبت أن إيران لن تفاوض تحت الضغط، وهذا ما أعلنت عنه مراراً، وتدرك واشنطن أكثر من غيرها مخاطر أي حرب يمكن أن تقع في المنطقة على الجميع، لذلك تحافظ على هامش مناورة يسمح لها دائماً بالانكفاء عند انسداد الطريق أمامها، وقد وجدت نفسها مضطرة لقبول الأساليب ذاتها التي استخدمتها مع طهران، فعمدت إلى استجداء الوساطات، وطلبت من رئيس النمسا التوسط بينها وبين إيران، وكذلك من خلال العراق وعُمان وغيرهما، وكل ذلك لدفع إيران إلى القبول بالتفاوض معها، وطهران تقول: مستعدّون للتفاوض بعد عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي.
في المحصلة تسعى إدارة ترامب، وهو رجل أعمال همه المال والصفقات المربحة، إلى تأمين حدّ أدنى من التفاهم مع إيران، ثم إجبار أعراب الخليج على القبول بنتائجه، مقابل رفع أرقام فاتورة الحماية قدر الإمكان، لأنه لا يمكن أن يكون قد صنع كل هذا التصعيد في المنطقة دون أن يحصل على مقابل مادي يتحدّث عنه دائماً، فهل نكتشف أن ما فعله ترامب هو رفع لمستوى التوتر في المنطقة إلى حافة الهاوية ترتفع بموجبه تكاليف الحماية الأمريكية لمشيخات الخليج إلى المستوى ذاته أيضاً، بمعنى أن الدفع هنا يجب أن يكون شاملاً كل ما تقدّمه الإدارة الأمريكية حتى على مستوى التغريدات والخطابات الرنّانة.
طلال الزعبي