المطلوب عسكرة المضيق
يحاول المراقب للاستفزازات الأمريكية المتكرّرة لإيران في منطقة الخليج، أن يجد مبرّراً منطقياً لهذه الممارسات اللاشرعية، فلا يجد أي تفسير منطقي لهذا العمل، سوى القول: “إن ما يحدث هو رقص على حافة الهاوية”.
ولكن المتتبّع لجميع التصريحات الأمريكية، فيما يخصّ العلاقات مع إيران يمكن أن يستشفّ أشياء أخرى مختلفة تماماً عمّا يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إظهاره للعالم، فهو يعمل على الدفع دائماً بموضوع التفاوض على الاتفاق النووي مجدّداً، محاولاً أن يظهر للعالم أن هذا بالضبط هو ما يرمي إليه من خلال الضغط على إيران، مع أنه يدرك أن الطريقة التي انسحب بها من الاتفاق النووي مع إيران، لا تترك مجالاً للقادة الإيرانيين أن يثقوا بسياساته، وخاصة أنه معروف بالمراوغة والكذب، وقد تحدّثت الصحف الأمريكية عن أنه يكذب أكثر من ثلاثين مرة في اليوم الواحد.
ولا يستطيع المرء أن ينفي أن الملف النووي هو أهم الملفات المطروحة للحوار مع إيران، ولكن المراقب يعي أن ترامب يرمي إلى التفاوض على القدرات الدفاعية الإيرانية، وليس على الملف النووي بحدّ ذاته، وهذا الأمر يتحدّث عنه باستمرار، ولا مشكلة لديه إذا كان ثنائياً أم متعدّد الأطراف، بل مشكلته تكمن في الحقيقة بالوصول إلى الغاية المتوخاة، وهي العودة بإيران إلى ما قبل الثورة، حيث كان الشاه شرطي الولايات المتحدة في المنطقة، ويقيم علاقات قوية مع الكيان الصهيوني، وهذا بالضبط ما تقصده الإدارة الأمريكية عند الحديث عن تغيير سلوك إيران في المنطقة، أي التوقف عن الدفاع عن الشعب الفلسطيني، ودعم حركات المقاومة في المنطقة، والأهم تأمين “إسرائيل” وحماية المصالح الأمريكية.
إذاً، المشكلة ليست في عقيدة إيران، ولا في تطوّرها أو امتلاكها دورة الوقود النووي، بل في توجّه إيران، والمطلوب أن تعود إيران إلى الحضن الأمريكي، ولذلك يصعّد ترامب من تهديداته، غير أن أي مراقب يدرك أن عجز الولايات المتحدة عن الدخول في حرب مباشرة مع إيران، الأمر الذي يؤكّد أن القضية بالنسبة لواشنطن ليست إشعال حرب جديدة في المنطقة تدرك هي قبل غيرها مخاطرها على قواتها ومصالحها، فهي لن تستطيع التحكم برقعة المعركة جغرافياً ولا بزمنها، وبالتالي فإن الأمر هنا يدفع باتجاه احتمال واحد، هو أن سياسة حافة الهاوية التي تمارسها الإدارة الأمريكية الحالية ليس المقصود بها إيران بشكل مباشر، بل المقصود العالم أجمع، حيث تحاول واشنطن رفع منسوب التوتر في المنطقة والعالم لإجبار الدول الكبرى على فرض شيء آخر بالنسبة لمضيق هرمز.
المضيق تتولى إيران مسؤولية حمايته على اعتبار أنه يقع ضمن مياهها الإقليمية، بينما يقع ممر الملاحة ضمن المياه الإقليمية لعُمان قبل المضيق، وبالتالي تكون الاستفزازات الأخيرة وتفجيرات السفن المصطنعة في بحر عُمان، مدخلاً للقول: إن إيران عاجزة عن حماية المضيق، أو هي التي افتعلت تلك الحوادث، وصولاً إلى دعوة دول العالم، التي لها مصالح في الخليج، أن تحذو حذو ترامب في إرسال قواتها البحرية إلى المنطقة لحماية مصالحها، وهذا ما ظهر جلياً في دعوة ترامب كلاً من الصين واليابان والدول الأوروبية إلى حماية سفنها في مضيق هرمز بنفسها، متسائلاً: لماذا تحمي الولايات المتحدة الأمريكية ممرات الشحن لدول أخرى على مدى سنوات مقابل “صفر تعويضات”؟.
والخلاصة، كل ذلك يؤدّي إلى عسكرة منطقة الخليج بالكامل، ويعطي مبرّراً أكبر لبقاء القوات الأمريكية هناك، ما يمكن أن يمثّل خطراً واضحاً على الأمن القومي على ضفتي الخليج العربي في الوقت نفسه.
طلال الزعبي