أخبارصحيفة البعث

ترامب العقاري يهدي عقارات لأصدقائه

 

د. يوسف جاد الحق

أن يكون المرء تاجراً للعقارات أو غيرها فليست هذه سبَّة أو مثلبة، فالمهنة يشرفها صاحبها أو يشوهها وفق تصرفاته هو، بالمعايير الأخلاقية المتعارف عليها.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تاجر عقارات وشريك صفقات تجارية على مدى تاريخه كله. من ثم، وانسجاماً مع طبيعة عمله وتكوينه، فالعقارات والصفقات والدولارات هي مفردات لغته في التعامل، وهو على هذا منسجمٌ مع نفسه تماماً وفق ثقافته، وما أصبح عليه الرجل نتيجة لممارساته الحياتية اليومية، فلماذا نوجّه إليه اللوم، أو نحاسبه على تعبيراته وسلوكياته السوقية؟.

كان من السهل عليه إذن أن يهدي صديقه العنصري “بنيامين نتنياهو” وكيانه في فلسطيننا هدايا عقارية وفق مفهومه. فالقدس -كعقار في نظره لا يملكه- هدية لائقة بأصدقائه هناك، فلتكن (عاصمة أبدية) لكيانهم -ماذا في هذا؟- وهل خسر الرجل دولاراً واحداً من صندوقه..! والجولان أرض عربية سورية، لا يملكها، فلتقدّم هدية مجانية في مناسبة أخرى..! هل دفع الرجل ثمناً لهذه الهدية، بمعنى هل كلفه ذلك مالاً…؟. مجرد كلام في الهواء وتغريدات على وسائل التواصل، وسماحه لنتنياهو بالاستيلاء على أراضٍ ومستوطنات في الضفة هدية لا بأس بها، رغم أن هذا  يتعارض مع القوانين الدولية. وحتى مسألة نقل السفارة فما هي سوى استبدال سكن عقاري بسكن عقاري من “تل أبيب” إلى القدس، وهو يرى حسب عبقريته العقارية أن أرض القدس أعلى ثمناً من أرض “تل أبيب”، مع علمه في الوقت نفسه، أن رفاقه في الكيان الصهيوني سرقوا الأرض من أصحابها دون أن يدفعوا دولاراً أو استرلينياً واحداً، بعد أن قتلوا منهم من قتلوا وشردوا من شردوا..! بل هو يرى في عملهم هذا ما يدعو إلى الإعجاب.. إذ يستولون على أراضٍ ومزارع ومصانع ومباني شعب بأكمله (ببلاش)، عبقرية ما بعدها عبقرية. وهو يعرف أن أعضاء الكونغرس أو غيرهم من ساسة أمريكا لن يؤاخذوه، فضلاً عن أن يحاسبوه، على تقديم هذه الهدايا (النفيسة) لأصدقائه في “إسرائيل” والإيباك ما دامت لا تكلف الخزينة الأمريكية شيئاً. بل هو نفسه لم تكلفه سوى عبارات يطلقها في الهواء، فتصبح (أمراً مقضياً)، ولا تكلفه أكثر من أن يفتح دفتره ليزيّن صفحة منه بتوقيعه الهمايوني، ثم يعرضه على النظّارة أمام الكاميرات وكأنه يعرض لوحة فنية لا بد وأن تثير إعجاب الجماهير وأرباب الفن التشكيلي..! كما لو كانت الجيوكاندا لدافينتشي. أما أصحاب الشأن من العرب فلا يدخلهم في حسابه، ما دام الفلسطينيون يمكن إسكاتهم بالرصاص أو بالغازات (الكيميائية) المسيلة للدموع، وما دام في وسعه أن يكلم ملوكاً وأمراء (عرباً) باستخفاف مذلّ على رؤوس الأشهاد، دون أن يجرؤ المعنيون على الكلام أو التذمر.. ناهيك عن الاعتراض!.

لن يكون غريباً والحالة هذه، على السيد ترامب أن يتبنّى ما سمّوه بـ”صفقة القرن”.. فما هي غير صفقة تجارية، وإن كان موضوعها أرض وطن وشعب، فماذا في ذلك، أليست كلها تجارة؟ ألا يبيع السلاح الأمريكي جهاراً نهاراً لمن أبادوا نصف الشعب اليمني وحجته أنها صفقات مربحة، وماذا تعني له المسألة إن كان القتلى وضحايا تلك الحرب التي تساهم فيها طائراته ودباباته وقنابله العنقودية مجرد مخلوقات عربية من دول العالم الثالث الفقير؟!.