الدراما و”جرائم الشرف” مثقلة بأعباء المجتمع وتقاليده.. وطمس لحقيقة تهميش المرأة في العقلية الذكورية
قصص تكررت وتنوعت ليست فريدة ولا وحيدة أو استثنائية أخذت أشكالاً كثيرة كأخ أو زوج أو حبيب يقدم من منطلق شخصي ومبررات واهية على القتل تحت مسمى “الشرف”، فمنذ ما يقارب الأسبوع قتلت سيدة في الأربعين من عمرها على يد شقيقها في مدينة السويداء في جريمة لن تكون الأخيرة، حيث قام شقيقها بقطع رأسها، وقتلت سيدة أخرى بتاريخ 29 أيار رمياً بالرصاص من قبل أحد أفراد أسرتها بداعي الشرف أيضاً، جريمة أخرى هزت المجتمع الحلبي في الأشهر الماضية عندما أقدم أحد الذكور على قتل زوجته لمجرد الشك بأن الجنين الذي ينمو في أحشاء زوجته ليس ابنه، الزوج الذي يعاني من هوس ونقص وعدم ثقة بالنفس طالب الشريعة وإمام أحد الجوامع بقتل الزوجة العشرينية، ثم تم بإشراف مباشر من الدكتور زاهر حجو، المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي أخذ عينات الـ DNA، ليتبيّن أن الجنين ابنه، وكانت النتيجة إزهاق روح شابة قتلها مرتين: أول مرة بظلمها، ومرة ثانية بتشويه سمعتها، الأمر لا يقل أبداً عن القتل الجسدي، في مجتمع مازال البعض فيه يعتبر المرأة مجرد عدد، ويعرّضها لكافة أشكال التعنيف والظلم، لذلك لابد من بذل كل الجهود الممكنة، وهنا لا نستثني أحداً، لأننا جميعنا معنيون بطريقة أو بأخرى لتغيير العقلية الذكورية في التعاطي مع هذه القضية الحساسة.
الدراما التلفزيونية وما يسمى “جرائم الشرف”
أي جريمة تقع تحت مسمى الشرف تعتبر المرأة فيها الجاني والمجرم والمسبب الرئيسي، على الرغم من خسارتها لحياتها وسمعتها، والسؤال هنا: إلى متى سيبقى الكثير من الذكور يتعاملون مع المرأة كطرف مهمّش لا رأي له ولا قيمة، يرونها من منظور جسدي بعيداً عن كل ما يمت للأخلاق والقيم الإنسانية بصلة؟! وهل الشرف يقتصر فقط على المرأة وجسدها؟! لماذا لا نسمع عن امرأة أقدمت على قتل زوجها لأنه قام بخيانتها مع أخرى؟! وهل في القتل وإزهاق الروح الإنسانية لسيدات بالغات راشدات، ولفتيات بعمر الورود شرف؟!.. مفاهيم وقيم عديدة وعادات وتقاليد بعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية لايزال البعض، حتى بعد دخولنا الألفية الثالثة، يتمسك بها تحت مسميات عديدة كشرف العائلة، والرجولة، وغيرها، ولا يمكننا أن ننكر الدور الحيوي الذي تلعبه الفنون بكافة أنواعها وأشكالها في التكوين، والتشكيل، والتأثير في الرأي العام، وتعتبر الدراما التلفزيونية من أهم أنواع الفنون، خاصة أننا بالأساس شعوب لا تقرأ، لذلك ما يقدم في الأعمال الدرامية سيكون له تأثير واضح على السلوك المجتمعي، والأدلة كثيرة على ذلك، فعندما بدأت موجة الدراما المدبلجة تركت أثرها واضحاً على معظم مفاصل الحياة الاجتماعية لدى فئات عديدة، وتحديداً فئة الشباب، إذاً مسؤولية كبيرة ملقاة على القيمين على الأعمال الدرامية، وفي مقدمتهم الكتّاب ليمارسوا دورهم الأساسي في طرح قضايا تهم المجتمع بعيداً عن السطحية لما لتلك الأعمال من أهمية لا يمكن تجاهلها، ومن راقب المشهد الدرامي في شهر رمضان سيتوقف عند قضية حساسة جداً وخطيرة طرحتها بعض الأعمال وهي “جريمة الشرف”، ففي مسلسل واحد وصل عدد متابعيه حسب الإحصائيات إلى أكثر من خمسين مليوناً هو “خمسة ونص”، يقدم البطل في نهايته على قتل زوجته لمجرد الشك بها، وما يثير الاستغراب مدى التعاطف الكبير من شريحة واسعة من الجمهور مع البطل، مبررين فعلته تحت مسميات مختلفة، لذلك من الضروري جداً أن تتغير نظرة الإنتاج الدرامي عند تناولها هذه القضية، لأنها تلعب دوراً حساساً، وهم مدركون لأبعاد هذا الدور، وهنا نقصد صناع الدراما، لذلك لابد من الابتعاد عن طرحها بطريقة فيها محاباة للمجتمع، ولبعض التقاليد والأعراف الاجتماعية التي تبيح حدوث مثل هذه الجرائم.
ما المطلوب من الدراما؟
لوتس مسعود، كاتبة شابة قدمت تجارب ناجحة جداً على صعيد السينما والمسرح، تحدثت بشكل مفصل من وجهة نظرها الشخصية عن المسؤولية والدور الكبير الملقى على عاتق كتّاب نص الدراما قائلة إنه من الضروري أن يكون لدى كاتب الدراما اطلاع ومعرفة واسعة على كافة الجوانب والأمور الحياتية، وكيفية التعامل معها، وكيفية طرحها، لأن طرحها أهم بكثير من مجرد التعامل معها، فمهمة الكاتب الدرامي هي كيفية تسليط الضوء على هذه الجوانب الحياتية بشكل حيادي، بحيث نترك للمشاهد حرية إطلاق الأحكام ليقف ضد شخصية ما، أو يتعاطف مع الشخصية التي يريد، وأن يتعامل مع هذه الشخصيات كشخصيات موجودة في الحياة، بمعنى لا أقوم بطرح شخصية امرأة تهان وتضرب وتعنف من دون تقديم وجهة نظر هذه المرأة، وما تتعرّض له، ولا يجوز تقديم وجهة نظر الرجل فقط، وسبب قيامه بضربها وتعنيفها متغاضين عن طرح وجهة نظر المرأة نفسها، وما هو شعورها تجاه ما تتعرّض له من إهانة، لأنني عندئذ سأكون طرحت أمام المشاهد وجهة نظر الرجل فقط من دون طرح وجهة نظر المرأة، وبالتالي سيكون تركيز المشاهد منصباً على الرجل من دون أن تعني له المرأة شيئاً، وهنا تكمن المشكلة الكبيرة.
وترى مسعود أن مهمة الكاتب طرح وجهة نظر كل الشخصيات، ومبررات ومشاعر الكل، وفي درامانا السورية والعربية ككل، حتى في السينما، قليلة جداً الأعمال الدرامية التي كانت بطولة امرأة، امرأة نصدفها في حياتنا اليومية، ولكن لا يخطر لنا أن نجسدها في عمل ما، ومع الأسف معظم ما يعرض اليوم هو أعمال بطولة امرأة جميلة ملاحقة من قبل الرجال، أو امرأة تعيش قصة حب مع رجلين لا تعرف من ستختار بينهما، مشكلة كبيرة نواجهها اليوم في هذه الأعمال بمعظمها التي تتحدث عن قصص سطحية جداً لا تعني المشاهد لا من قريب ولا من بعيد، كل ما يعنيها فقط الثياب، وموديل الشعر: “كيف بدي أعمل شعري متل هل فنانة”، لا نرى أعمال بطولة نسائية تطرح هموم المرأة بعيداً عن شكلها ووزنها، وبالتأكيد لا مانع من أن تكون امرأة جميلة على العكس، فالصورة عنصر جذب مهم جداً، ولكن نريد عملاً يتحدث عن الضغوط، والمشاكل، والهموم اليومية التي تتعرّض لها النساء، خاصة أن الكثير من النساء تخضع لهذه المشكلات، بالتأكيد الدراما لن تستطيع حل كل هذه المشكلات، وهناك جهات أخرى مسؤوليتها أكبر من الدراما، عليها لعب دور لحل هذه المشكلات الاجتماعية، لكن أثر الدراما كبير بأن توجّه من يحضر، وهنا لا نقول الحل، بل ربما طريقة معينة ليتخلصوا من وضع أو موقف تعرّضوا له، أو كيفية التعامل معه بشكل مختلف، وهنا نتمنى على الكتّاب، لأن المرحلة الأولى من أي عمل درامي هي النص، تسليط الضوء على المرأة التي تعتبر حتى الآن طرفاً ضعيفاً ومستهاناً به، حتى لو رفض البعض هذا الرأي، لكن البعض الآخر يتعامل معها بهذه الطريقة نتمنى عليهم كتابة قصص تشعرنا بأن هذه الشخصية التي نتابعها قد تكون أنا أو أختي أو صديقتي.. إلخ حتى نمتلك الوعي والحل للخروج من المشاكل، وأن يتوفر عنصر الجدية، لأن مهمة الفن ليست فقط التسلية، بل التسلية، وتقديم الفائدة، وتقديم المنفعة، على سبيل المثال لا الحصر هناك عمل درامي مهم جداً هو زمن العار طرح “قضية الشرف”، وقضية التعامل مع المرأة ضمن العائلة كشخص مهمّش، متجاهلين رغباته واحتياجاته وحياته وهمومه فقط، المهم أن يقوم على خدمتنا، وهنا بالتأكيد لا نبرر أن يقوم الإنسان بفعل مناف لعاداته وأخلاقه، ولكن أيضاً ليس خطأ أن يشعر الإنسان بضعف في مكان ما، أو عندما يختار خياراً ما أن نعرف على ماذا بنى خياراته، وما هي التراكمات التي قادته إلى هذه النافذة من خلال الجدران التي كانت تحيط به؟!.
ارتفاع النسب خلال الحرب!
أخيراً من المفيد والضروري أن نسلّط الضوء سريعاً على التعديل الحاصل في القانون السوري فيما يخص مرتكب هذا النوع من الجرائم، حيث تم رفع عقوبة مرتكبيها من سنتين إلى سبع سنين في المرسوم الرئاسي رقم (1) لعام 2011، ولوحظ مع كل أسف خلال فترة الحرب ارتفاع معدلات ما يسمى “جريمة الشرف” في المجتمع السوري، فحسب إحدى الإحصائيات ارتفعت إلى أربعة أضعاف، لذلك المسؤولية كبيرة على القيمين على صناعة الدراما ليكونوا داعماً وشريكاً وطرفاً مؤثراً إيجابياً مع أي تعديل قانوني يصب في مصلحة المرأة، ويحد من هذه الجرائم، الدكتور زاهر حجو تحدث عن نقطة إيجابية، وعن تقدم ملحوظ هو انخفاض هذا النوع من الجرائم في المدن، حيث ينحصر في الأرياف البعيدة، إضافة إلى أن المناطق التي تقع تحت سيطرة الإرهابيين تحدث فيها الكثير من هذه الجرائم التي يخبر عنها، وغالباً من يقوم بهذه الجرائم من قادة الفصائل الإرهابية الذين يملكون فائضاً من القوة، والكثير منها يحدث داخل أسرهم؟!.
لينا عدرة