خواطر من الذاكرة في العيد الـ 73
ثلاثة وسبعون عاماً مضت، ولا زلنا نحتفل بميلادها المتجدد والمتجذّر في عمق الوطن، وتربة أرضه الخصبة التي أنبتت رجالاً عظماء.
صحيفة البعث، في عيدها 73، حينما صدرت في عددها الأول بتاريخ 3/7/1946 منسوخاً في مطابعها القديمة الحديثة. فكان الثالث من تموز ولادة لصحيفة عربية قومية تتماهى في قدرتها وطاقتها مع الصحف العربية التي سبقتها في الصدور.
صغاراً كنا، في مطلع عام 1967، تجمعنا الطفولة البريئة وحب الوطن حين فكّرنا أنا وزملائي في جامعة دمشق – كلية الحقوق – أن نقدّم شيئاً لهذا الوطن الذي كان يتعرّض لهجمة صهيونية حاقدة انتهت باحتلال جزء من أرضنا الطيبة يوم 5/6/1967. وقفت ورفاقي في كلية الحقوق على سطح مطعم الجامعة، الذي كان يسمى آنذاك مقصف الشهيد يوسف الأزروني، وتحوّل فيما بعد، وأصبح الآن مقراً للمصرف العقاري. شاهدنا الوطن بأم أعيننا، جبل قاسيون الشامخ، أحياء دمشق كلها بدت لنا ظاهرة جليّة من هذا المرتفع، الفيحاء وغوطتها الخضراء رئتان لها.
نتأمل، نفكّر، نتابع، طاقاتنا كبيرة، لكننا لازلنا طلاباً ننهل العلم.. لا مورد لنا مالياً، ماذا نفعل؟ خاطبتهم: يا رفاقي، ما بالكم نذهب، ونشترك بصحيفة البعث القومية النظرة، الوطنية المنشأ، فقد كنت أنا مذ ذلك الزمن أطالعها بانتظام، ولا أبخل بشرائها كل يوم، فوالدي الشيخ محمد الموعد كان تواقاً لهذه الصحيفة، ونحن تربينا على نهجه القومي – رحمه الله – الذي توفي والصحيفة كانت آخر ما لمس يديه. كان مثقفاً متابعاً لها لا يَخطِؤُه عدد من أعدادها، لأن والدي كان محقاً، خاطبت زملائي – في كلية الحقوق- ودعوتهم للذهاب إلى إدارة الصحيفة الذي كان مقره آنذاك مقابل “ثانوية التجهيز الأولى” (جودة الهاشمي).
كل منا كان يحمل مصروف جيبه الخاص به، 25 ليرة سورية لا أكثر، وصلنا مقر الصحيفة، وسألنا عن إجراءات الاشتراك السنوي بهذه الصحيفة، فهدفنا كان واضحاً: المساهمة في تقديم شيء، مادياً كان أو معنوياً، لهذا الوطن.. من هنا جاءت فكرة الاشتراك بهذه الصحيفة. وكم سروري عظيماً أن المبلغ المدخر لدي يكفي ويزيد: بكم الاشتراك السنوي؟ أجابنا المسؤول المالي: أهلاً بكم في مقر صحيفتكم، صحيفة البعث الغراء. نعتز بكم طلاباً مثقفين مندفعين بعفوية للحصول على شرف الاشتراك بهذه الصحيفة.
قلت له: ما لدينا من مال سوى 25 ليرة سورية فقط.
قال: هذا المبلغ كبير، والرسم السنوي لدينا هو 15 ليرة سورية فقط.
هذه قصتي مع صحيفة البعث التي بَدَأَتْ مع مرحلة دراستي الجامعية الأولى عام 1967، ولازلت مستمراً ومشتركاً بها حتى تاريخه، فأول إيصال مالي نظم باسمي عام 1967، وآخر ذلك الإيصال عام 2019.
وإذن فعلاقتي بصحيفة البعث كانت حميمية منذ 52 عاماً، ولاتزال، ما يدلل على عدم انقطاعي مطلقاً بها.. لأنني صديق وفيٌّ لها.
المستشار رشيد موعد
قاضي محكمة الجنايات سابقاً