اقتصادصحيفة البعث

خرجت عن مسار التدخل الإيجابي وارتبط الداخل بالخارج! السورية للتجارة تتأرجح بين الإخفاق واستعادت الدور بدعم حكومي

 

أثار الحديث عن خسارة السورية للتجارة لما يقارب الـ40 ملياراً شهية المصادر المطلعة على بعض التفاصيل للبوح بما يكتنف عملها من تجاوزات وفساد وأسباب أدت إلى انحراف مسارها عن رؤية الحكومة التي رسمتها لها بغية تفعيل دورها كذراع يمنى تحاول من خلالها كسر حلقات الاحتكار وتخفيض الأسعار لمواجهة الواقع الاقتصادي الصعب الذي لامس معيشة المواطنين اليومية، حيث وشت المصادر عن تورط بعض القائمين في مفاصل المؤسسة مع التجار والمستوردين بتسريب معلومات أو توجيه عقود لبعض التجار دون غيرهم بطرق غير شرعية أدت إلى ضعف أداء السورية للتجارة وتأخيرها في تلبية حاجات المواطنين من المواد الأساسية، وقد يكون تأخر السورية للتجارة في تنفيذ بعض العقود خلال الفترة السابقة خير دليل على ما ذهبت إليه هذه المصادر، وفسح المجال أمام القطاع الخاص لامتلاك الحصة الأكبر في السوق المحلية، عدا عن تقديم فرص مجانية لبعض الموردين لانسياب بضاعتهم وترويجها من خلال منافذ المؤسسة.
تقاطع المصالح الشخصية بين داخل المؤسسة وخارجها حيناً وتضاربها مع مصالح التجار حيناً آخر قوض دور السورية للتجارة وأفرغه من مضمونه، ولكن السؤال – ولاسيما بعد توجيه حزمة دعم حكومية جديدة لها- هل ستعود السورية للتجارة إلى مسارها الصحيح وتعالج مساحات الخلل في عملها، وتصحح معادلات العرض والطلب في الأسواق لكسر حدة الأسعار والاحتكار..!

دليل واضح
لم ينفِ مصدر من داخل السورية للتجارة حالات الفساد والترهل الإداري التي سيطرت على عملها، مؤكداً ارتفاع عدد تقارير مديرية التفتيش الداخلية منها، وتقارير هيئة الرقابة والتفتيش التي دلت على محاولة المؤسسة لتقليص بؤر الفساد فيها، وألمح إلى ضعف الوضع الاقتصادي الذي حدا ببعض العناصر إلى اغتنام الفرص بين كوادر المؤسسة وتسريب المعلومات المأجورة للتجار.

إشارة خجولة
معاون مدير العام للمؤسسة عدنان كفا اكتفى بالإشارة إلى أن وضع السورية للتجارة شابه بعض الهفوات التي أثرت على مسار عملها دون الدخول بالتفاصيل، مؤكداً أن المرحلة القادمة ستشكل قفزة نوعية لها من خلال مجموعة الصلاحيات الممنوحة للمؤسسة من قبل الحكومة، خاصة من خلال تحكمها بـ25% من المواد الأساسية المستوردة بحسب القرار الأخير، والسلف المالية التي ستوفر السيولة النقدية اللازمة لتسوق وشراء المحاصيل الزراعية الذي يلغي حلقات الوساطة والوكلاء ويساهم في تخفيض نسبي للأسعار، الأمر الذي سيساهم في تواجد السورية للتجارة بفاعلية أكبر، وأشار إلى أن أية مخالفات سيصار إلى معالجتها قانونياً وإحالة كافة المخالفين إلى التفتيش واتخاذ الأجراء اللازم بحقهم.

عالية الدقة
القفزة النوعية المأمولة للمؤسسة ستحرض بعض التجار للبحث عن بعض الوسائل غير المشروعة منها عدم تسليم 25%، أو إيجاد أسباب مبررة من قبلهم بعدم الامتثال، وبالتالي شدد كفا على إعداد تعليمات تنفيذية واضحة وعالية الدقة لتلافي ظهور أية هفوات تسمح للموردين عدم الالتزام أو التهرب من تسليم المواد للمؤسسة، بحيث تتضمن الآلية والكيفية التي سيتم خلالها دفع قيمة المادة التي تم تسعيرها، وآلية سحب المواد إلى مستودعات المؤسسة ومن ثم إلى فروعها، على أن تكون المدة الفاصلة بين إيداع الوثائق ومستندات المستورد وكافة المصاريف والنفقات التي تدرس في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ويصدر فيها سعر تكلفة المادة إلى جانب هامش ربح ضئيل جداً لا يتجاوز الـ 24 ساعة من وصول الشحنة بعد تقديم الوثائق المطلوبة من المورد، ويتم نقل المواد خلال 48 ساعة، كما يتم التسليم ودفع قيمتها خلال خمسة أيام كحد أقصى بعد إنهاء عمليات التخليص الجمركي وتحديد الوزارة لقيمة السلع، مشيراً إلى أن هذا الإجراء يساعد في توفير تشكيلة سلعية في منافذ السورية للتجارة، ويؤدي إلى خفض نسبي للأسعار باعتبار أن السورية للتجارة مؤسسة ليست غايتها الربح بل الخدمة، والعمولات التي تتقاضاها ضئيلة جدا تتراوح بين 3 إلى 5%، كما يقلص حلقات الوساطة التجارية من وكلاء أو معتمدين أو تجار جملة، وسيتم العمل بالقرار خلال شهر سيكون على أبعد تقدير لإجازات الاستيراد الجديدة التي تم منحها بعد القرار والممولة من المصرف المركزي.

عقوبات محتملة
كفا أكد أن نسبة الـ25% التي تم منحها للسورية للتجارة من مستوردات القطاع الخاص من المواد الأساسية سيتم تسعيرها أصولاً من التجارة الداخلية، على أن يتم سحب المادة من قبل المؤسسة بالتوازي مع سيارات المستوردين من أرض المرفأ، واعتبر كفا أنها خطوة ناجحة وتم تجربتها سابقاً، لافتاً إلى ضرورة وضع حزمة من العقوبات التي يمكن أن تطال المورد غير الملتزم، كحرمانه من الاستيراد لمدة عام، وعدم الإفراج عن البضاعة إلا بكتاب صادر عن السورية للتجارة لضمان استلام المؤسسة كامل حصتها.

موروث ثقيل
أما الـ40 مليار ليرة التي كانت نتاج دمج شركات التدخل الإيجابي بحسب كفا الذي أرجع السبب فيها لوراثة السورية للتجارة لميزانيات غير منجزة فيها، مشيراً إلى تقاعس بعض العاملين عن إنجاز هذه الميزانيات خلال السنوات الماضية، وبين أن جزءاً من هذا الموروث الثقيل هو عبارة عن سلف وقروض منحت للمؤسسات السابقة ولم تسدد، والجزء الأكبر منها مرتبط بالخط الائتماني الإيراني، ليكون الحل بضرورة حل هذه التشابكات مع المصارف والمؤسسات والشركات العامة وإعفائها من فوائد القروض وغرامات التأخير، وإيجاد صيغة من التقاص مع تلك المؤسسات لحلها.

غياب التخصص
لتقييم دور هذه المؤسسة اجمع أهل الخبرة والاقتصاد على أن الإشكاليات الأساسية كانت في آلية التعيين، حيث تم استبعاد أهل الاختصاص في التسويق والترويج على حساب الإدارة، حيث بين الدكتور سامر مصطفى أن التسويق وآليات الترويج تختلف عن الإدارة والمهارة المكتسبة والتي يمكنها من وضع خطط عمل لكنه ينقصها قياس الأثر والبعد في سياساتها، إلى جانب غياب دراسات تفصيلية للأسواق المحلية التي توضح الحاجة الفعلية للمواد الأساسية والأسعار المناسبة، وتمكن المؤسسة من تلافي غياب إحدى المواد الأساسية.
وأشار بعض الخبراء إلى أن عدم وجود تصنيع خاص بالمؤسسة للمواد الأساسية إلى جانب غياب قدرتها على الاستيراد لصالحها عرضها لابتزاز التجار وفرض الأسعار التي تناسبهم، وبالتالي تحولت دون أن تدري لمسوق مجاني لبضاعتهم وأسعارهم وصالات لعرض منتجاتهم.
فاتن شنان