تحقيقاتصحيفة البعث

النأي بالنفس!

 

أكوام النفايات المتناثرة حول الحاويات بفعل الإهمال وقلة الوعي البيئي تؤكد حقيقة الدوران في حلقات مفرغة، وقساوة المشهد تبيّن أننا جميعاً نتحدث كثيراً، ونتسابق إلى إلقاء المسؤوليات على غيرنا، وننأى بأنفسنا عن القيام بالمهمات التي يفرضها الضمير والواجب الأخلاقي تجاه مجتمعنا أولاً، وبيئتنا ثانياً، فنحن نمتلك الجرأة لتوجيه الانتقادات والاتهامات، بل والتشكيك والطعن في جهود الآخرين، وتحميل ذلك الآخر المتمثّل بالجهات المعنية مسؤولية التقصير، وتفاقم المشكلات البيئية، وغياب المعالجات التي ندعي انتظارها منذ سنوات، ونحن في حقيقة الواقع جزء لا يتجزأ من أسباب غيابها، وعقبة أساسية في خطوات إزالة آثارها الكارثية، وهو التعبير الذي نستخدمه في أكثر الأحيان لوصف الحالات التي نتحدث عنها، أما المعضلة الأكبر التي لا نجد لها حلاً فتتمثّل بتلك الإشارات الاستفهامية الجاهزة والمتشابكة كشبكات عنكبوتية مترصدة لأخطاء الغير بصفته الرسمية، حيث تنتهي لعبة الاصطياد بسؤال خارق حارق لكل الوعود، أو “صميدعي” كما يقول جاري أبو حسين: إلى متى؟.
طبعاً هذه الشفافية والصراحة تختبىء تحت لثام رمي القمامة بشكل عشوائي، والإساءة اليومية للبيئة، وتلويثها بشكل متعمد، وهدر كنوزها من المياه العذبة، وهوائها النقي، وتربتها الخصبة، وحرمان أنفسنا وأولادنا من نعمة الصحة والحياة النظيفة بكل ما تعنيه هذه المصطلحات من معنى، فالجميع سائر بعكس تيار الأمن البيئي، وكل صغير وكبير فينا يسهم في دق اسفين جديد في مشروع مكافحة التلوث، والوصول إلى ضفة الإصلاح البيئي.
ولكن ذلك لا يعني بكل مقاييس ومعايير المسؤولية أن نكون ملكيين أكثر من الملك ذاته، ونحمّل أنفسنا المسؤولية كاملة دون أن نأخذ بعين الاعتبار تعامل أصحاب القرار مع هذا القطاع الحساس بشكل ارتجالي، ومحاولاتهم المستمرة لجعله حقلاً للتجارب، بحيث تمضي السنوات ونحن نخسر ونخسر كثيراً لأننا نتعامل بالروتين والبيروقراطية مع قضايا بيئية هامة وحساسة جداً لا تقل في أهميتها عن القضايا الوطنية بكل تفاصيلها.
ولعل ما عاشه بلدنا خلال سنوات الحرب قد منح كلا الطرفين: المواطن والمسؤول حجة دامغة وجسراً آمناً إلى ساحة التبريرات والأعذار التي للأسف تمثّل الآن وجهاً آخر للأزمة التي نعيشها ونقلب صفحاتها المأساوية على كافة الصعد، فلم يعد هناك وجود للبيئة النظيفة بعد أن وشح سواد الأزمة وجه إجراءاتها وقراراتها البيضاء الساعية لتحقيق مفاهيم الأمن البيئي والصحة البيئية على أرض الواقع.
إن الأزمة الحقيقية التي تعيشها بيئتنا، بل بلدنا بشكل كامل، هي أزمة الضمير الذي يحتضر بحضور مئات الملوثات التي يوقع على وثيقة ميلادها مجتمعنا بكل فئاته دون استثناء، فهل من صحوة قريبة؟!.
Basherf72@gmail.com