الصفحة الاخيرةزواياصحيفة البعث

دهشـــــــات

 

عبد الكريم النّاعم
بدايَة لابدّ من الإشارة إلى أنّ ما يثير الدّهشة المفارقة الصّاخبة بين مانراه حقّاً،وما يحاول الطّرف الآخر، أيّاً كان هذا الآخر، من داخل أو من خارج، مايُحاول به إقناعَك بأمر ما، يتناقض جذريّاً مع مسلّمات الحقيقة، ولكيْ لاتوحي لنا مُفردة الحقيقة بأنّ ماهو حقيقيّ عندك قد لايكون حقيقيّاً عند غيرك،. لكي لانشرد في هذه المتاهة يمكن القول باختصار إنّ كلّ مايؤذي الناس هو شرّ، بمعنى أنّ الحقيقيّ “ماينفع النّاس”، وهنا نشير إلى أنّ أيّ غزوٍ، أيّاً كان شكله، بهدف النّهب، والاحتلال، والاستيلاء، هو ممّا يضرّ بالناس، وليست مصالح الدّول المتوحّشة في توجّهاتها إلاّ النّموذج الأبشع لما لاينفع النّاس.
الدّهشة هنا لاعلاقةَ لها بالدّهشة التي يثيرها فينا الإبداع الفنيّ، فبين هذه وتلك مسافات من السنوات الضّوئيّة، ولذا تبدو “دهشتنا” هنا أقرب ماتكون إلى إثارة الفَزَع، وإشعال نيران المُسْتنكَر.
-الدّهشة الأعنف، والأعمق انحرافاً كانت على يد السّادات المقتول، الذي أرسى دعائم كامب ديفيد أمّ الكبائر السياسية في عصر العرب الحديث، فكلّ مانراه الآن يمثل على الساحة هو من نتاج تلك الفِعْلة، وإضافات مُفزِعة فيها، ولقد مهّد لذلك بزيارته إلى إسرائيل بعد حرب 1973 زاعماً أنّه يريد كسْرَ الحاجز النفسيّ بين العرب والصهاينة، وكأنّ المسألة نفسيّة لامسألة احتلال وطن، وطرْد شعبه منه، واضطهاد مَن بقي فيه.
-دهْشة الدّهاليز السوداء، وهي التي أثارتها اتّفاقات “أوسلو”، والتي قامرَ فيها بعض الفلسطينيّين بما قامروا، على أمل أن يكون لهم وطن يعترف به الصهاينة في أرضهم، وبذلك أصبحت المسألة المصيريّة مسألة رفع علم فلسطين على أيّ رُقْعة أرض فيها، ورغم مراهنة الأوسلويّين على أن يشمل ذلك مانصّ عليه قرار مجلس الأمن 242، فقد نبّه الرئيس الراحل حافظ الأسد في حينه إلى أنّ كلّ بَنْد في ذلك الاتّفاق يحتاج إلى اتّفاق، فدخل الأوسلويّون تلك الدّهاليز السوداء، ولم يستطيعوا الخروج منها، على الرّغم من أنّ “صَفْعة القرن” لم تُبق سترا على جسد أحد، ولا أدري ماالذي يجعلهم حتى الآن متمسّكين بتلك الاتّفاقيّة التي لم ينفِّذ منها الجانب الصهيوني مايجعل الآفاق قابلة للانفتاح!!
هل ثمّة مالانعرفه يجعل الأوسلويّين مربوطين بذلك الحَبْل؟!!
-دهشة الثّعلَبَة والتي يمثّلها ماقاله بعض وزراء الخارجية العرب في تبريرهم للذهاب إلى إقامة علاقات مع الصّهاينة، فبرّر ذلك بقوله أنّه “تطمين الإسرائيليّين، وإزالة الشعور بالتّهديد”!!
عجيب غريب هذا القول!! تُرى مَن الذي يهدّد الآخر، هل هم (العرب) المهدَّدون أبدا باحتلال أرضهم واكتساحها، وتقتيل أبنائهم، منذ قيام ذلك الاحتلال الاستيطاني الاجتثاثي حتى الآن؟!!
إنّ ماصدر عن بعض مسؤولي دول الخليج، في هذا السّياق هو محاولة مفضوحة لتبرير استقبالهم لممثّلي الاحتلال الصهيوني، وسعي بائس للظهور بمظهَر مَن يعمل لصالح قضيّة فلسطين، وهو يُساهم في تقويضها بعلم منه، وبإرغام أمريكيّ، فهم ليسوا، عمليّاً، أكثر من (عمّال) مندوبين لرغبات أمريكا الصهيونيّة، ولا يستطيع (العامل الأجير) أن يردّ طلبا لسيّده، حتى وإن وصل الأمر حدّ الإهانة العلنيّة، وأيّة إهانة أكبر من مضامين ماصرّح به “ترامب” بأنّ على هذه الممالك والمشيخات أنْ تدفع لأمريكا مايُطلب منها؟!! وأيّة إهانة اكبر من أن يقول لهم على مسمع من العالم كلّه أنّه يستوفي منهم ثمن حماية الأمريكان لهم، ولولا أمريكا، كما قال ترامب، لانهارت تلك الكيانات خلال أسبوع واحد.
-لعلّ مايعزي أمثالي من العروبيّين الذين يرون أنّ قضيّة فلسطين ماتزال القضيّة المركزيّة لكل العرب هو موقف الشعب العربيّ الواحد في شتّى بقاع العرب، من الماء إلى الماء، ومن الصمود إلى الدم، وشاهدُ ذلك رايات فلسطين التي رُفعت في المغرب، وفي الجزائر، وتونس، والسودان، واليمن.. قد يطول هذا الليل ولكنّه آيل إلى الاندحار، بممثّليه السريّين والعلنيّين.

aaalnaem@gmail.com