اقتصادصحيفة البعث

على خلفية إلغاء الموافقات المبدئية لـ 10 معامل دوائية كلفها الإنشائية بلغت 10 مليارات.. إجابات الصحة غير مكتملة.. ونقابة الصيادلة تعتذر.. وأصحاب الشكوى مستاؤون.. وأسئلة تنتظر؟

دمشق– محمد زكريا

حسناً فعلت وزارة الصحة عندما أصدرت قراراً يقضي بالتوقف عن منح التراخيص لإنتاج الأدوية العامة والإبقاء فقط على منح التراخيص لمعامل الأدوية النوعية. ويأتي هذا القرار بعد أن وصل عدد المعامل الدوائية إلى أكثر من 90 معملاً، تنتج الأدوية العامة بصورة منتظمة. وبحسب القرار فإن موجبات التوقف استندت إلى اكتفاء السوق المحلية من الأدوية العامة وحاجة السوق إلى الأدوية النوعية، إلى جانب وجود عشرات الطلبات المقدّمة للترخيص في هذا الجانب. إلى هنا يبدو أن الأمر فيه شيء من العلمية والمهنية التي ترتقي لدرجة الاحترافية في التعامل مع  ملف صناعة الأدوية والمستحضرات الصيدلانية، والتي باتت تشكّل أحد القطاعات الصناعية التحويلية المهمّة، كما أنها تشكّل الدعامة الأساسية في تكوين البعد الاقتصادي الاستراتيجي للدولة.

إشكالية

إلا أن الإشكالية التي ترافقت مع صدور هذا القرار هي التوقف عن منح نتائج الكشوف الحسيّة الجارية على المعامل الحاصلة على الترخيص المبدئي والتي هي قيد الإنشاء والبالغ عددها أكثر من 10 معامل، وبحسب الشكوى التي تلقتها “البعث” بهذا الخصوص، فإن هذه المعامل حصلت على موافقات الترخيص المبدئي من وزارة الصحة خلال الأعوام الممتدة من 2011حتى 2014، وأن أصحاب هذه المعامل قاموا بتزويد الوزارة بكشوفات وبيانات  تبيّن مراحل العمل التي وصل إليها كل معمل، سواء لجهة الإنشاء أم لجهة المعدات والآلات.

وتضيف الشكوى: إن الوزارة استمرت وحتى بداية العام الحالي في التواصل مع أصحاب هذه المعامل، حتى أنها قامت بزيارات ميدانية لجميع هذه المعامل وأجرت الكشوفات الحسية وسجلت جملة ملاحظات عمل أصحاب المنشآت على معالجتها، لكن المفاجأة كانت في أن الوزارة عملت منذ بداية العام الحالي على إلغاء تراخيص هذه المعامل دون سابق إنذار. وأوضحت الشكوى أن نسب الأعمال المنجزة في تلك المعامل تتراوح ما بين 70 إلى 80%، حتى أن بعضها وصل إلى مراحل التشطيب النهائي والبعض الآخر وصل إلى مراحل التجريب في الإنتاج، وبيّنت الشكوى أن التكاليف المالية وصلت إلى حدود المليار ليرة لكل منشأة عدا القيم المالية للتجهيزات الدوائية، وأشارت الشكوى إلى أن السبب الرئيسي في تأخير العمل في منشآتهم هو الإرهاب الذي ضرب مناطق وجود منشآتهم ولاسيما في عدرا الصناعية، إلى جانب تأخر وصول المعدات والمستلزمات الأساسية للمعامل من الخارج نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد.

استدراك للملاحظات

أحد المتضررين وهو صاحب شركة ريا للأدوية عمار ريا أوضح لـ”البعث” أنه حصل على موافقة مبدئية من وزارة الصحة بخصوص إنشاء معمل للأدوية العامة في منطقة عدرا الصناعية منذ العام 2011، ونتيجة الأحداث التي مرّت بها البلاد تأخر العمل في المنشأة، وأنه في العام 2017 باشر من جديد بتمديد الترخيص التي وافقت عليه الوزارة، حيث قامت لجنة التفتيش على المعامل بالوزارة بالكشف الحسي على المعمل وطلبت إجراء عدة ملحوظات ثانوية تمّ استدراكها في مراحل العمل الإنشائي آنذاك، مبيناً أنه بعد ذلك العام جرى العمل على قدم وساق للتقيد بجميع الملاحظات التي كانت تبديها لجان الكشف، وأن آخر زيارة تفتيشية كانت  للمعمل بتاريخ 26/9 من العام الفائت، حيث إن الوزارة لم ترسل لنا نتيجة الكشف الحسي لتلك الزيارة بالرغم من مطالبتنا المستمرة بنتيجة الكشف الأخير، مشيراً إلى أنه التزم بالتعميم الصادر عن الوزارة والذي يشير إلى منح جميع الموافقات المبدئية المنتهية مهلة نهائية لاستكمال الخطوط الإنتاجية النوعية فقط حتى تاريخ 1/1/2019، منوهاً بأنه وبناء على التعميم المذكور، عملنا على تجهيز المعمل بالكامل دون أي نقص وبمساعدة خبراء ومتخصّصين في مجال تجهيز معامل الدواء، وأنه تقدم بطلب إلى الوزارة لإجراء الكشف الحسي على المعمل قبل نهاية الفترة المحدّدة في التعميم، إلا أن الوزارة لم ترسل له لجنة التفتيش والكشف، ولدى مراجعته المتكررة للوزارة من أجل التوصل إلى حلّ لم يحصل سوى على الطلب الذي يفضي إلى تحويل معمله لإنتاج الأدوية النوعية، مستغرباً كيف يمكن أن يتحوّل معمل تمّ تصميمه لإنتاج الأدوية العامة إلى معمل للأدوية النوعية.

وبحسب رأيه فإنه يمكن ذلك بحالة واحدة وهي أن يقوم بهدم كامل للمعمل، لأن مواصفات ومعايير المعمل النوعي تختلف عن غيره من معامل الأدوية، مشيراً إلى أن نسبة الإنجاز في معمله وصلت إلى 80% ووصلت التكلفة المالية إلى حدود المليار ليرة.

200 فرصة عمل

صاحب معمل آخر فضّل عدم ذكر اسمه، بيّن أنه تمّ تركيب جميع آلات الكبسول والمضغوطات في معمله، والمتمثلة في ماكينة تعبئة الكبسول وماكينة بلاستر اتوماتيكية وخلاط ثلاثي ومنخل هزاز وعدة مكنات أخرى، إضافة إلى تركيب وتشغيل وحدات معالجة الهواء كاملة لطابق التصنيع، ووحدات تركيب معالجة المياه وتوصيلها كهربائياً وتجهيز المخابر بأنابيب الماء النقي. كما بيّن أن التأخير الوحيد الذي حصل في منشآته هو إزالة الجدران، حيث إن المعمل في الوقت الراهن جاهز للكشف الحسي ليتمّ بعدها تقديم الأضابير للدراسة، مشيراً إلى أن المهلة النهائية المقدمة للمعامل الحاصلة على الموافقات المبدئية المنتهية لا ينطبق على معمله، لأنه بالواقع قد أنهى جميع المتطلبات لتشغيل المعمل من تركيب الآلات والمعدات، موضحاً أن المعمل يؤمّن أكثر من 200 فرصة عمل. ونوّه بأنه إذا كانت خطة الوزارة تعمل على ترشيد الأدوية التي لها مماثلات  كثيرة في السوق المحلية، فلماذا لا تعمل على عدم إعطاء موافقات لتصنيع المشابهات بدلاً من إلغاء تراخيص معامل باشرت في الإنشاء.

وبحسب رأيه فإنه من الأولى أن تطلب من هذه المعامل عدم تصنيع المشابهات نظراً لاكتفاء السوق المحلية، لا أن تلغي تراخيص معامل كانت قد باشرت في الإنشاء،  موضحاً أنه يمكن اللجوء إلى التصدير في حالة اكتفاء السوق فلماذا الخوف؟!.

رد مقتضب

ولمعرفة المزيد عن الموضوع المثار حاولت “البعث” التواصل مع المعنيين في الوزارة، إلا أنه وكالعادة لم نجد من يسمعنا، سوى أن نضع الاستفسارات في المكتب الصحفي وليأتي الردّ عليها بعد فترة من الزمن مقتضباً وشكلياً لا يفي بالغرض المطلوب، وهذا ما حصل معنا، إذ ردّت على استفساراتنا  مديرة الرقابة الدوائية بالوزارة الدكتورة سوسن برو، مبينة أن سياسة الوزارة في منح الموافقات المبدئية لإقامة المعامل الدوائية قائمة على تأمين حاجة السوق المحلية من الأدوية المفقودة والنوعية، وبما يحقّق الأمن الدوائي ويضمن الاكتفاء الذاتي ويحدّ من الاستيراد، وذلك من خلال تحديد الخطوط التي يتمّ منحها بخطوط نوعية يتمّ تحديدها ودراستها وفقاً لمتغيرات السوق المحلية، مشيرة إلى أن مدة الموافقات المبدئية هي 3 سنوات للحصول على الترخيص النهائي غير قابلة للتجديد أو التمديد كون هذه المدة كافية لاستكمال أي معمل دوائي، علماً أنه تمّ ترخيص العديد من المعامل خلال الفترة الماضية وضمن الفترة المحددة للموافقة الممنوحة لهم.

من جهتها نقيب الصيادلة في سورية الدكتورة وفاء كيشي، اعتذرت عن اللقاء والحديث في الموضوع، ولم تكترث لمحاولات التواصل معها، حيث تمّ إبلاغنا عن طريق  مكتب السكرتاريا بالاعتذار بحجة ضغط الاجتماعات.

 

عجب..!

بالمحصلة.. لابد من الإشارة إلى أن سورية بلد واعد ومهمّ في مجال الصناعات الدوائية، وتأتي أهمية ذلك من أن الأمن الدوائي مطلب مهم جداً خاصة في ظل المتغيّرات الكثيرة التي تمرّ بها المنطقة، والإمكانات الكبيرة التي يتمتّع بها هذا القطاع، إلا أنه للأسف يوجد معوقات عدة تواجه الاستثمار في قطاع الصناعة الدوائية، على الرغم من حرص الدولة على مساهمة القطاع الخاص في تعزيز الاستثمار في سوق الدواء المحلي.

Mohamdzkrea11@yahoo.com.