صحيفة البعثمحليات

بين الاندثار وإعادة الإحياء.. إنها نكسة القطعان التهريب يستنزف الثروة الحيوانية والمسالخ السرية تدمي رصيد الأغنام

 

حماة – محمد فرحة
لم يأخذ أحد النبوءة اليابانية على محمل الجد أواخر التسعينيات عندما أوصت دراسة أعدتها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي بطلب من الحكومة السورية، بالالتفات والتركيز على مسألتين بدونهما ستعاني سورية كثيراً مع بداية مطلع الألفية الثانية كونهما يشكلان عنصراً مهماً في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي.
فما هما هاتان المسألتان؟
أولاً إقامة العديد من المشاريع المائية التخزينية تجنباً للتغيرات المناخية القادمة، وهذا ما يحصل حالياً لجهة قلة المصادر المائية، والثانية التركيز على تطوير الثروة الحيوانية عامة والثروة الغنمية خاصة، لتكون البديل فيما لو تعثر الشق الأول من القضية الزراعية، لكن للأسف لم تلتفت الحكومات السابقة ولا الحالية لكل هذه المسائل؛ ما جعل إنتاجنا الزراعي يتراجع بشكل لافت وكبير، والسنتان القادمتان ستكونان الأسوأ.
في حين لم يكن الطرف الثاني من المعادلة أي الثروة الحيوانية أفضل، حيث قامت مافيات تهريب الأغنام وجدايا الماعز بإخراج الملايين منها إلى الدول المجاورة مع بداية الأزمة، وما لم تستطع هذه المافيات تهريبه قام القصابون بذبحه في المسالخ السرية.
في قراءة متأنية لهاتين المسألتين نلاحظ تراجعاً كبيراً ومفزعاً فيما يتعلق بقطيع الأغنام، قد يكون للظروف الراهنة سبب في غياب المراعي وخاصة في البادية السورية التي كانت مرتعاً هاماص لوجود النسبة الكبيرة من هذه القطعان، ففي محافظة مثل حماة كان يوجد في باديتها مليونان و600 ألف رأس وفقاً لإحصاء عام 2010.
الدراسة أشارت أيضاً إلى القيمة المضافة للأغنام السورية وزيادة الطلب عليها في الأسواق المجاورة، لكن للأسف لم يلتفت أحد لكل ما جاء في التنبؤات اليابانية.
وفي لغة الأرقام يقول رئيس دائرة الإحصاء في زراعة حماة عمر سودين: إن عدد الأغنام في مجال زراعة حماة كان قبل الأزمة مليونين و400 ألف رأس عدا ما هو موجود في زراعة الغاب، أي ما يكمل المليونين ونصف المليون.
وزاد سودين بأن عدد الماعز الجبلي كان 232 ألفاً و275 رأساً، في حين عدد الأبقار 60 ألفاً، وكل ذلك ضمن إحصاء ما قبل الأزمة، وبحسرة راح سودين يتحدث، مشيراً إلى ما لحق بقطاع الثروة الحيوانية من تهريب وذبح في المسالخ السرية، واليوم يعكف تنظيم “قسد”الارهابي في الشمال الشرقي من سورية على ذبح الأغنام ما ينذر باندثار الثروة الغنمية.
منوهاً إلى أن معاناة المربين قد دفعت العديد منهم إلى التخلص من أعدادها الكبيرة بسبب ارتفاع المادة العلفية حيناً، وأسعار اللقاحات البيطرية حيناً آخر، وقلة فسحة المراعي في ظل الظروف الراهنة، في حين شكل تهريبها إلى كل من لبنان وتركيا والعراق النزيف الأكبر والأخطر.
باختصار: إنها نكسة القطعان التي تنذر بالاندثار، في الوقت الذي تغيب فيه هذه المسألة عن بال الحكومة تماماً، وللتذكير فقط نشير هنا إلى أن محافظة حماة وحدها كانت قد صدرت في منتصف التسعينيات مليوناً ونصف مليون رأس من ذكور الاغنام، وكنا شهوداً على عمليات تحويل القطع الأجنبي للبنوك السورية بحماة جراء السماح للمصدرين بالتصدير آنذاك.
في الوقت ذاته شاهدنا أيضاً استيراد المئات من الأبقار بالقطع الأجنبي تعدى الثمانية مليون يورو، وقد نفق نصفها ونيف دون أن نرى مساءلة شخص واحد كان السبب في ذلك، فعن أي تطوير للثروة الغنمية والحيوانية الأخرى يتحدثون.. إنها نكسة القطعان.