مع عودة المدارس أعباء كبيرة تفرضها المستلزمات المدرسية.. ومحاولات الأهالي لتأمينها تصطدم بالأسعار المرتفعة
يأتي شهر أيلول مثقلاً بأعباء مادية كبيرة جداً ترمي بحملها على كاهل المواطن السوري، فهو من باب التهكم والسخرية أصبح لدى شريحة واسعة جداً شهر النكبات أو العدوان، كما أطلق عليه البعض، في محاولة لبث روح الدعابة، يتكرر هذا المشهد مع بداية كل عام دراسي، فهو شهر التحضيرات للدخول إلى فصل الشتاء والاستعداد له، وشهر المونة، وصولاً إلى موسم العودة إلى المدارس الذي بات يتطلب ميزانية مخصصة، لدرجة وصل فيها الحال إلى الاستغناء عن الكثير من ضروريات الحياة التي يحتاجها المواطن لعدم قدرته على تأمين كل ما يلزم.
“اليوم الدولار طالع”!!
كل شيء أصبح خاضعاً لسعر صرف الدولار، “اليوم الدولار طالع”، جملة باتت من يومياتنا، أصبحنا نسمعها مع كل سؤال يتم توجيهه للتاجر أو لأصحاب المحلات، وحتى البسطات التي لا تدفع أي نوع من الضرائب، مبررين أنهم يدفعون من جيوبهم، “وما عم توفي معهم”.. رنا يوسف، ربة منزل لديها طفلان في مرحلة التعليم الأساسي، تتحدث عن معاناتها لتجهيز طفليها للمدرسة، قائلة: الأسعار تختلف من محل لآخر، وليس فقط من شارع لآخر، مضيفة: لا يسمح ولا يعطي أصحاب المحلات فرصة “للمفاصلة” في الأسعار، “وإذا مو عاجبك روحي اشتري من محل تاني”، هذا الجواب الدائم الذي تسمعه منهم، وما يثير الاستغراب والاستهجان عدم التشدد بمراقبة الأسعار من قبل الجهات المعنية، وترك المواطن تحت رحمة التجار وأصحاب المحلات، متسائلة: هل يعقل تجهيز طفلين بكل ما يلزم من مستلزمات مدرسية بما يكلّف الأسرة السورية راتب موظف؟!.
التشدد باللباس المدرسي
شددت وزارة التربية على أن هذا العام سيكون مختلفاً لجهة الالتزام باللباس المدرسي، خاصة مع تحسن الأوضاع الأمنية في الكثير من المحافظات، ولن يتم التساهل بهذا الموضوع، ويرى الكثير من الأهالي أن قضية اللباس المدرسي والتشدد به أمر جيد وضروري، لكن مراعاة الوضع المادي الصعب هي ما يجب لفت النظر لها، خاصة في ظل الارتفاع الجنوني للمستلزمات المدرسية، وربط اللباس المدرسي بعودة استقرار الوضع الأمني أمر غير منطقي، ولا يوجد أي رابط بينهما.. ندى، موظفة وأم لأربعة أولاد، توضح في حديثها أثناء سؤالها عن الأسعار قائلة: أنا موظفة وقررت أن أستفيد من قرض الخمسين ألف ليرة سورية لشراء حاجات ومستلزمات المدرسة لأولادي، لكني تفاجأت بالنوعية الرديئة للأقمشة، فقميص مدرسي سعره أربعة آلاف ليرة سورية ذو نوعية أقل من متوسطة لن يصمد حتى منتصف السنة الدراسية، أيضاً أسعار القرطاسية ونوعيتها، مضيفة: بصراحة لم ألحظ فارقاً كبيراً عن السوق، ولذلك تتجه الكثير من الأسر للاستفادة مما هو متبق من دفاتر أو أقلام أو حتى لباس من العام الفائت، في محاولة للتخفيف من الأعباء إلى حد مقبول، فتجهيز طالب واحد يصل إلى خمسة عشر ألف ليرة على أقل تقدير، لذلك يرى الكثير من الأهالي أن ما يقال على لسان الجهات المعنية التي صرحت بأن مبلغ ثلاثين ألف ليرة سورية يغطي حاجات ومستلزمات أسرة مكوّنة من ثلاثة أولاد، بعيد عن الواقع، لأن الواقع مختلف تماماً.
دور وزارة التربية
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة للأسرة السورية، من الضروري لوزارة التربية عدم إرهاق الأهالي بالمتطلبات المدرسية، والاكتفاء بالضروري فقط، من جهة أخرى أوضح عدد من الأهالي أن العبء المالي الكبير قد زاد، وبالتزامن مع المناهج الحديثة، وتخصيص دفتر لكل مادة، مع عدم استخدامه بشكل كبير من قبل الطلاب، فالكثير من الدفاتر المخصصة لمواد معينة لا يتم استهلاك إلا عشرة بالمئة منها، ما يسبب هدراً كبيراً، فسعر دفتر السلك 100 ورقة يتراوح بين مئتين وخمسين ليرة إلى ثلاثمئة ليرة، أما الدفتر العادي الـ 50 ورقة فسعره مئة ليرة، والقائمة تطول، علماً أنه يمكن الاستغناء عن نصف العدد المطلوب من الدفاتر التي لا يفهم ما هو الهدف المطلوب من وجودها، عدا عما تسببه من حمل زائد في حقيبة الطالب المدرسية التي ترهقه أثناء ذهابه وإيابه لمدرسته لما تحتويه من عدد كبير من الدفاتر والكتب.
تباين في الأسعار
تختلف أسعار المستلزمات المدرسية بين مدينة وأخرى، وتعتبر مدينة دمشق مقارنة مع غيرها من المدن الأكثر تعدداً في الخيارات، ما يمنح الأهالي هامشاً من الحرية لجهة شراء احتياجاتهم، والمفاضلة بين ما هو جيد وأقل جودة، سواء تم شراؤه من المحلات والأسواق المخصصة، أو من البسطات التي يلجأ إليها الكثيرون, وهو ما يزيد الأعباء على الأهالي.
إن ما تقوم به مؤسسات التدخل الإيجابي، والجمعيات الأهلية التي تتعاون مع وزارة التربية لتقديم إعانات للمدارس فيما يتعلق بتأمين المستلزمات المدرسية، كله يشكّل دعماً مقبولاً للتخفيف من الضغط الحاصل على الأسر السورية، مع ضرورة تشديد الرقابة على التجار الذين يعتبر البعض منهم موسم العودة للمدارس فرصة إضافية لاستغلال وابتزاز المواطن!.
لينا عدرة