رحيل حصان طروادة
ترجمة: هيفاء علي
عن موقع انفيستج اكشن 15/9/2019
يمكن أن يكون لرحيل جون بولتون من البيت الأبيض تأثير كبير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لأن هذه السياسة مرتبطة بشكل عام بمسألة “الأمن القومي”. وتشير الولايات المتحدة واسم “الأمن القومي” إلى حقيقة أن الولايات المتحدة تمارس سياسة الترهيب في جميع أنحاء العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتواصل السياسة نفسها في القرن 21 تجاه دول مثل سورية وإيران وكوريا الديمقراطية.
من الواضح أن دور جون بولتون في سياسة الولايات المتحدة العدوانية تجاه هذه البلدان كان كبيراً، ولاسيما تجاه إيران. وعليه، فان إقالته تعلن عن تقدّم محتمل بين الولايات المتحدة وإيران في المسألة النووية، هذا ما يفسّر إشادة القادة الإيرانيين برحيل بولتون، ولماذا يحاول الكيان الإسرائيلي جاهداً هضم رحيل “حصان طروادة” من البيت الأبيض.
ووفقاً للتقارير في وسائل الإعلام الغربية الرئيسية، تركز الخلاف الأساسي بين بولتون وترامب حول فكرة ترامب بتخفيف العقوبات ضد إيران لتمهيد الطريق للمفاوضات. بمعنى آخر، بينما كان بولتون يعارض تخفيف سياسة “الضغوط القصوى” في الولايات المتحدة، والتي كانت فكرته الخاصة، أراد ترامب وبعض كبار مسؤوليه أن يجربوا ويروا إلى أي مدى يمكن أن تذهب الولايات المتحدة وإيران لتطبيع التوترات.
إذا كان وجود مايك بومبيو، الذي قدم 12 طلباً في العام الماضي كشرط مسبق لتصبح إيران “دولة طبيعية”، قد يعني أن اتباع الولايات المتحدة سياسةً لا هوادة فيها تجاه إيران سيبقى على حاله، فمن الواضح أن سياسة بومبيو لم تنجح ولم يتحقّق أي من المطالب الـ 12 فعلياً. إضافة إلى ذلك، لوحظ التغيّر السريع في موقف بومبيو المتشدّد بعد رحيل بولتون مباشرةً عندما صرّح أن الرئيس الأمريكي على استعداد لبدء المحادثات دون شروط مسبقة، بمعنى آخر مع رحيل بولتون، اختفت أيضاً فكرة “لا محادثات” و”الضربات الوقائية”. ولعلّ أحد الأسباب الرئيسية للتركيز أكثر على المحادثات هو أن الرئيس الأمريكي لم يحقّق فوزاً كبيراً للسياسة الخارجية ليضمن إعادة انتخابه في الانتخابات المزمعة في 2020.
كانت السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي كارثية: توتر العلاقات الأمريكية مع الصين، لا انتصار في سورية، وتواصل انجراف تركيا نحو روسيا، والمحادثات حول أفغانستان “ميتة”، بينما تزداد إيران قوةً رغم أشد العقوبات المفروضة على الإطلاق، ولعبة ترامب ضد كوريا الديمقراطية لم تحقّق أي شيء. حقيقةً، ليس لدى ترامب ما يبرهن على أنه “مفاوض رئيسي” و”مفاوض” ذكي، وسوف يبقى خالي الوفاض ما لم يحدث تغيير كبير في سياسته أو الفوز بالكأس قبل انتخابات العام المقبل.
لذلك، إذا كان هناك سبب يجعل رحيل بولتون يؤدي إلى تغيير في السياسة الخارجية، فهو محاولة ترامب تجنّب الهزيمة، وهو هدف سياسي لم يكن بولتون حساساً له. بالفعل، إذا لم يكن لدى بولتون أي شيء يخسره في حرب جديدة في الشرق الأوسط مع إيران، فقد تكون هذه الحرب متهورة للغاية إن لم تكن انتحاراً سياسياً في مخطط ترامب.
أمرٌ آخر قد يهدّد إعادة انتخاب ترامب هو الحرب التجارية المستمرة مع الصين وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكي، إذ يشير رحيل بولتون وقرار الصين بتخفيض التعريفات الجمركية على بعض المنتجات الأمريكية قبل الجولة المقبلة من المفاوضات إلى التقدم نحو التطبيع، إن لم يكن خطوة إلى الأمام. بالنسبة للصين، كان بولتون مصدر إزعاج ومثيراً للمشكلات، وفق ما أشارت صحيفة غلوبال تايمز الصينية في تقريرها: “بولتون لم يكن ذا فائدة كبيرة للصين، ومن الواضح أنه أحد الممثلين الذين دفعوا العلاقات الصينية الأمريكية إلى طريق مسدود”.
ومع ذلك، على الرغم من نفوذ بولتون ومغادرته، تظلّ الحقيقة هي أن ترامب وبولتون قد تشاركا أفكارهما حول جميع القضايا الرئيسية المتعلقة بالولايات المتحدة. لقد عارض ترامب دائماً الاتفاقية الحالية بشأن القنبلة الذرية الإيرانية، وأراد دائماً “التفاوض بحزم” مع الصين. وقال إنه اتخذ خطوات لتحقيق هذه الغاية قبل فترة طويلة من تعيين بولتون مستشاراً للأمن القومي.
لذلك، فإن السؤال الملح الذي يطرحه مراقبون هو التالي: هل ستتغيّر الأمور مع رحيل بولتون، لأنه إذا كان لوجود بولتون تأثير، فلم يكن ذلك هو العقبة الوحيدة، هناك أيضاً “عامل ترامب” الثابت الذي يعتبر إيران والصين “أعداء”. ومن هنا السؤال: ما الذي سيتغيّر حقاً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة؟.
بالنظر إلى التأثير الهائل لحالة ترامب الذهنية، لا يُتوقع حدوث تغيير كبير، كما أوضح بومبيو أن المغادرة الوحيدة لا تتغيّر ولن تغيّر السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ومع ذلك، حتى لو بقيت السياسة الأساسية كما هي، فإن الولايات المتحدة ستظلّ ترغب في إبرام اتفاقية جديدة مع إيران، وإجبار الصين على الخضوع للضغوط الاقتصادية. ما يمكن أن يتغيّر هو الأهمية المعطاة للتدابير العدوانية والنهج الحازم للدبلوماسية والمفاوضات النشطة وفتح أبواب التسويات، كل ذلك في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية لعام 2020. وبعبارة أخرى، إذا بقيت السياسة الأساسية على حالها، فإن طريقة وتكتيكات متابعتها هي فقط التي ستتغيّر!.