جونسون.. والخيارات الكارثية
ظنّ بوريس جونسون أن بإمكانه تجاوز كلمة الشعب البريطاني، حينما قرّر تعليق عمل البرلمان قبيل الموعد الرسمي المحدّد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لتأتيه الصفعة بقرار المحكمة العليا بأن قراره غير دستوري.
جونسون الذي أبدى حماسة مطلقة منذ أن استلم سدّة الحكم أواخر تموز المنصرم، وأعطى المتابعين شعوراً بأنه “سيخرج الزير من البير”، وسيجد الحل الأنجع للانفصال الكبير، تلقى صفعة موجعة من المحكمة العليا، لكنه متعنّت في مواقفه، ومصمم على الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، على الرغم من التداعيات الكارثية لذلك على بريطانيا قبل غيرها.
الوضع الجديد الذي أتى به جونسون لم يحمل سوى المزيد من الفوضى والاضطراب للبلاد، ونرجسية حاول أن يغطي بها تخبّطه و”شكّه بنفسه”، حيث بدأ أول خطاب له كرئيس حكومة بوعد التوصل إلى اتفاق للخروج من الاتحاد، ليبدأ بعدها ألاعيبه لتعطيل البرلمان وعرقلة دور النواب في مناقشة هذه القضية، إذ لم يتوصل إلى اتفاق حتى اللحظة، رغم أن موعد الانفصال يقترب.
الآن جونسون في موقف لا يُحسَد عليه قد تكون معه الاستقالة حلّاً يحفظ به ماء وجهه، فمن جهة خسر الأغلبية البرلمانية مع سلسلة الانشقاقات التي شهدها حزبه (المحافظين)، مع آخر انشقاق لوزير الجامعات السابق سام جيما وانضمامه إلى الحزب الديمقراطي الليبرالي، ومن جهة أخرى، يواجه انتقادات لاذعة ودعوات للاستقالة من عدّة كتل برلمانية، وخاصة العمال المعارض، والذي تعهّد في حال فوزه في أي انتخابات مبكرة إجراء استفتاء جديد مع خيار للبقاء في الاتحاد الأوروبي، ما من شأنه أن يفضي إلى إلغاء بريكست.
السيناريوهات المطروحة للفترة المقبلة تتراوح بين خضوع جونسون لطلب تأجيل آخر لبريكست، ويتطلّب مثل هذا التأجيل موافقة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وفي حال رفضت إرجاءً جديداً لبريكست ستخرج بلاده من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وهو السيناريو الأكثر خطورة.
تتعالى أصوات من الأوساط الاقتصادية متخوفةً من السيناريو الأخير الذي سيلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد البريطاني، وتتدهور معها قيمة الجنيه الاسترليني وارتفاع التضخم، ما سيلقي بظلاله على المواد الغذائية والسلع الأساسية.
نقاط كثيرة عالقة من الصعب معها التوصل إلى اتفاق، أهمها مسألة الحدود الإيرلندية، جبل طارق، والفاتورة المالية التي يتوجب دفعها، والعديد من القضايا الإضافية المتعلقة بالعلاقات المستقبلية.
إذاً، يقف جونسون اليوم في منتصف المسافة بين صوت العنجهية، وصدى المعارضة المتربّص به والمُعيق لألاعيبه وحيله!.
ريناس إبراهيم