الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الكتب.. وشعلة المحبة!

حسن حميد

الآن، وقد انتهى الموسم الثقافي الحالي لمعرض الكتّـاب الدولي لمكتبة الأسد، وقد أحاطت به وسائل الإعلام في حضور لافت للانتباه، وجاء إليه الأدباء والكتّـاب والشعراء ومؤلفو الكتب ليلتقوا مع القراء في مركب ثقافي واحد عبّرت عنه وسائل الإعلام، مثلما عبّرت عنه مشاهد توقيع الكتب، لقد جاؤوا من المدن السورية، ومن البلاد العربية، وبلاد المهاجر، فكان حضورهم غاية من الجمال والمعنى، مثلما كان حضور الشرائح الاجتماعية وافياً ضافياً في مشهد طوّاف بالأسئلة المنقّبة عن الكتب القديمة والجديدة من جهة، وعن الموضوعات وتقنياتها من جهة أخرى.

ولم تكن الكتب هي الحاضرة في معرض الكتاب فقط، وإنما كانت المعرفة على مختلف وجوهها ومستوياتها حاضرةً أيضاً عبر الأنشطة الثقافية التي زينت متن المعرض بمحاضرات وندوات وأمسيات شعرية شارك فيها أدباء ومفكرون وشعراء من سورية، والعراق، ولبنان، والأردن، وفلسطين، وإيران، والكويت، واليمن، وقد استقطبت الكثير من أهل الثقافة والمعرفة استماعاً ونقاشاً.

إحصاءات كثيرة ستصدر في أعقاب اختتام الدورة الواحدة والثلاثين لمعرض دمشق الدولي للكتاب، ومنها عدد دور النشر والمراكز والمؤسسات التي شاركت في أعمال معرض الكتاب، وعدد الكتب، والأجناس الأدبية، وفروع علوم المعرفة التي تصدرت قوائم البيع، وعدد رواد المعرض في أيامه العشرة، وعدد الندوات والأمسيات، والحضور الإعلامي البهيج الذي رافق دورة معرض الكتاب، وهذا في مجمله مهم ومؤشر يرصد ذرا الخط البياني الذي وصلت إليه هذه الدورة موازنة مع الدورات الماضية في ظل الظروف التي أحاطت ببلدنا العزيز، ولكن الأهم في هذا المعرض يتجلى في أن العين السورية، والعربية أيضاً، دارت حول الأحداث التي عصفت ببعض البلاد العربية تحت ما سمي بـ/الربيع العربي/ فرصدت مفاعيل الألم والغُصات من جهة، والبطولات النادرة والفذة التي تجلّى بها وعنها أبناء الوطن وهم يدافعون عن البيوت، والقرى، والمدن، والحدود، والتاريخ من جهة ثانية.

إن المؤلفات التي أحاطت بالحرب التي فرضت على بعض البلاد العربية، ومنها سورية، روت ما حدث، وبيّنت أسبابه، وسبل مواجهته، ودور البيوت، والمدارس، والمشافي، والجامعات، والمراكز الثقافية في تجليه الوعي الوطني، بل ودور الأمهات والأدباء في تعزيز اللحمة الوطنية، وطيّ كل ما هو بعيد عن الروح الوطنية، وكل ما هو مخالف لمعاني المحبة والأمن والأمان.

والأهم أيضاً هو أن الذين كتبوا عن الخنادق والثغور والبطولات والشهداء والجرحى والصمود والجسارة والانتصارات هم المقاتلون الذين عاشوا كواره الحرب لحظةً بلحظة، وفي مواقع جغرافية سورية كثيرة! الجرحى باتوا رواة الحرب في زمن الحرب، فكتبوا عن جسارة رفاقهم الشهداء، والجرحى وكتبوا عن الجرحى والأمكنة والأسلحة وأسئلة الحياة التي عاشوها بعيداً عن أسرهم، وسائل الإعلام؛ كتبوا مشاعرهم، وأفكارهم، وحنينهم لأولادهم وذويهم، كتبوا الرسائل البليلة بالشوق لأمهاتهم ولأصدقائهم ورفاقهم حملة السلاح في مواقع جغرافية أخرى، والحق أن هذه الروايات، والقصص، والسير الذاتية التي كتبها أهل الخنادق هي رايات أخرى للبيوت، والمدارس، والتربية الوطنية السورية، رايات للانتصار الذي أوقد شعلتها حماة السيادة، والأوطان، والديار، منذ الدقيقة الأولى لانكشاف الوجوه السود بغاياتها السود وأفعالها السود وقلوبها السود أيضاً.. وطوال السنوات الثماني المنصرمات، وستظل شعلة الانتصار موقدة شعشاعة في قلوب السوريين والعرب وأحرار العالم كله لأن الوقيعة كانت مداحمة ما بين أهل الباطل وأهل الحق.. ولا يوقد شعلة المحبة الوهّاجة.. سوى أهل الحق.

معرض الكتاب الدولي بدمشق، كان علامات مضيئة للحضور المعرفي، وفي مقدمتها الحضور الوطني الذي جسّدته الإرادة السورية من الطفل إلى الشيخ، ومن القرية إلى المدينة، ومن البذرة إلى البيدر، ومن المعاني الوطنية إلى المعنى الإنساني الرحيب، ومن البيت دارة المحبة إلى المدرسة دارة المعرفة.. اجتماعاً إلى طهر الصورة.. والكتاب.

Hasanhamid55@yahoo.com